Pages

Tuesday, January 8, 2013

احمد شوقي - دَلَّت على مَلِكِ الملوكِ ، فلم تَدَعْ

دَلَّت على مَلِكِ الملوكِ ، فلم تَدَعْ     لأَدلَّة الفقهاءِ والأَحبار
مَنْ شَكَّ فيه فنظرة ٌ في صُنْعِه     تمحو أثيمَ الشكِّ والإنكار
كشف الغطاء عن الطرول وأَشرقت     منه الطبيعة ُ غيرَ ذاتِ سِتار
شَبَّهْتُها بلقيسَ فوق سريرها     في نَضْرَة ٍ، ومواكبٍ ، وجواري
أو بابن داوُدٍ وواسعِ مُلكه     ومعالمٍ للعزّ فيه كبار
هُوجُ الرِّياح خواشعٌ في بابه     والطيرُ فيه نواكسُ المِنقار
قامت على ضاحي الجنان كأَنها     رضوانُ يُزجي الخلْد للأَبرار
كم في الخمائل وهي بعض إمائها     من ذاتِ خلخالٍ ، وذاتِ سوار
وحَسِيرَة ٍ عنها الثيابُ، وبَضَّة ٍ     في الناعماتِ تجر فضلَ إزار
وضحوك سنٍّ تملأُ الدنيا سنى ً     وغريقة ٍ في دمعها المِدْرار
ووحيدة ٍ بالنجدِ تشكو وحشة ً     وكثيرة ِ الأَتراب بالأَغوار
ولقد تمرُّ على الغدير تخاله     والنَّبْت مرآة ً زهتْ بإطار
حلو التسلْسُل موجُهُ وجريره     كأَنامل مرَّت على أَوتار
مدّت سواعد مائه وتأَلقت     فيها الجواهر من حَصى ً وجمار
ينساب في مُخضلَّة ٍ مُبتلَّة ٍ     منسوجهٍ من سُندُسٍ ونُضار
زهراءَ عَوْنِ العاشقينعلى الهوى     مختارة ِ الشعراءِ في آذار
قام الجَليدُ بها وسالَ ، كأنه     دَمعُ الصبابة ِ بلَّ غضنَ عذار
وترى السماء ضحى ً وفي جنح الدجى     مُنشقَّة ً من أَنهرِ وبحار
في كلِّ ناحية ٍ سلكتَ ومذهبٍ     جبلانِ من صخر وماءٍ جاري
من كلِّ مُنهمرِ الجوانبِ والذُّرى     غَمْرِ الحضيضِ، مُجلَّل بوقار
عقد الضريبُ له عمامة َ فارعٍ     جَمِّ المهابة ِ من شيوخ نِزَار
ومكذِّبٍ بالجنّ ريع لصوتها     في الماءِ منحدراً وفي التيار
مَلأَ الفضاءَ على المسامع ضجَّة ً     فكنما ملأ الجهاتِ ضَواري
وكأَنما طوفانُ نوحٍ ما نرى     والفلكُ قد مُسِخَتْ حثيثَ قِطار
يجري على مثل الصِّراط ، وتارة     ما بين هاوية ٍ وجُرْفٍ هاري
جاب الممالكَ حَزْنَها وسهولَها     وطوى شَعابَ الصرب والبلغار
حتى رمى برحالنا ورجائنا     في ساحِ مَأْمولٍ عزيز الجار
مَلِكٌ بمفرقه إذا استقبله     تاجان : تاجٌ هدى ً ، وتاج فخار
سكن الثريّا مستقر جلالِه     ومشت مكارمُه إلى الأَمصار
فالشرقُ يُسْقى ديمة ً بيمينه     والغرب تمطره غيوثُ يَسار
ومدائنُ البرَّيْنِ في إعظامه     وعوالمُ البحْرَينِ في الإكبار
الله أَيّده بآساد الشّرى     في صورة المُتَدجِّج الجرّار
الصاعدين إلى العدوِّ على الظُّبى     النازلين على القنا الخطَّار
المشترين الله بالأبناء ، والـ     ـأ زواج ، والأمول ، والأعمار
القائمين على لواء نبيِّه     المنزَلين منازلَ الأَنصار
يا عرش قسطنطين َ ، نلت مكانة ً     لم تُعطَها في سالف الأَعصار
شرِّفتَ بالصِّدّيقِ، والفاروقِ، بل     بالأقربِ الأدنى من المُختار
حامي الخلافة ِ مجدِها وكِيَانِها     بالرأي آونة ً وبالبتَّار
تاهَتْ فروقُ على العواصم،وازدَهت     بجلوسِ أَصْيَد باذِخِ المقدار
جَمِّ الجلالِ، كأَنما كرسيُّه     جُزءٌ من الكرسي ذي الأَنوار
أخذت على البوسفور زُخرفَها دُجى ً     وتلألأت كمنازلِ الأقمار
فالبدرُ ينظر من نوافذِ منزل     والشمس ثمَّ مُطِلُّة ٌ من دار
وكواكبُ الجوزاءِ تخطرُ في الرُّبى     والنَّسْر مطلعُه من الأَشجار
واسم الخليفة في الجهاتِ منوّر     تَبدو السبيلُ به ويُهْدَى السَّاري
كتبوه في شُرف القصور ، وطالما     كتبوه في الأسماع والأبصار
يا واحدَ الإسلام غيرَ مُدافَعٍ     أَنا في زمانك واحدُ الأَشعار
لي في ثنائك ـ وهو باقٍ خالدٌ ـ     شعرٌ على الشعرَى المنيعة ِ رازي
أَخلصتُ حبي في الإمام ديانة ً     وجعلته حتى المماتِ شِعاري
لم أَلتمس عَرَضَ الحياة ِ، وإنما     أَقرضْتُهُ في الله والمُخْتار
إن الصنيعة لا تكون كريمة ً     حتى تُقَلِّدَها كريمَ نِجار
والحبُّ ليس بصادق ما لم تمن     حسنَ التكرُّم فيه والإيثار
والشعر إنجيلٌ إذا استعملتَه     في نشرِ مكرُمَة ٍ وستر عَوار
وثنيتَ عن كدر الحياضَ عِنانَه     إنّ الأَديبَ مُسامحٌ ومُدارِي
عند العواهلِ من سياسة دهرهم     سِرٌّ، وعندك سائرُ الأَسرار
هذا مُقام أنت فيه محمدٌ     أَعداءُ ذاتك فِرقة ٌ في النار
إن الهلالَ ـ وأنتَ وحدّك كهفهُ ـ     بين المعاقِل منك والأَسوار
لم يبقَ غيرك مَنْ يقول: أَصونُه     صُنه بحول الواحدِ القهَّار

احمد شوقي - اِختِلافُ النَهارِ وَاللَيلِ يُنسي

اِختِلافُ النَهارِ وَاللَيلِ يُنسي     اُذكُرا لِيَ الصِبا وَأَيّامَ أُنسي
وَصِفا لي مُلاوَةً مِن شَبابٍ     صُوِّرَت مِن تَصَوُّراتٍ وَمَسِّ
عصفتْ كالصَّبا اللعوبِ ومرّت     سِنة ً حُلوة ً، ولذَّة ُ خَلْس
وسلا مصرَ : هل سلا القلبُ عنها     أَو أَسا جُرحَه الزمان المؤسّي؟
كلما مرّت الليالي عليه     رقَّ ، والعهدُ في الليالي تقسِّي
مُستَطارٌ إذا البواخِرُ رنَّتْ     أَولَ الليلِ، أَو عَوَتْ بعد جَرْس
راهبٌ في الضلوع للسفنِ فَطْن     كلما ثُرْنَ شاعَهن بنَقسْ
يا ابنة َ اليمِّ ، ما أبوكِ بخيلٌ     ما له مولع بمنع وحبس
أَحرامٌ عَلى بَلابِلِهِ الدَو     حُ حَلالٌ لِلطَيرِ مِن كُلِّ جِنسِ
كُلُّ دارٍ أَحَقُّ بِالأَهلِ إِلّا     في خَبيثٍ مِنَ المَذاهِبِ رِجسِ
نَفسي مِرجَلٌ وَقَلبي شِراعٌ     بِهِما في الدُموعِ سيري وَأَرسي
وَاِجعَلي وَجهَكِ الفَنارَ وَمَجرا     كِ يَدَ الثَغرِ بَينَ رَملٍ وَمَكسِ
وَطَني لَو شُغِلتُ بِالخُلدِ عَنهُ     نازَعَتني إِلَيهِ في الخُلدِ نَفسي
وَهَفا بِالفُؤادِ في سَلسَبيلٍ     ظَمَأٌ لِلسَوادِ مِن عَينِ شَمسِ
شَهِدَ اللَهُ لَم يَغِب عَن جُفوني     شَخصُهُ ساعَةً وَلَم يَخلُ حِسّي
يُصبِحُ الفِكرُ وَالمَسَلَّةُ نادي     هِ وَبِالسَرحَةِ الزَكِيَّةِ يُمسي
وَكَأَنّي أَرى الجَزيرَةَ أَيكاً     نَغَمَت طَيرُهُ بِأَرخَمَ جَرسِ
هِيَ بَلقيسُ في الخَمائِلِ صَرحٌ     مِن عُبابٍ وَصاحَت غَيرُ نِكسِ
حَسبُها أَن تَكونَ لِلنيلِ عِرساً     قَبلَها لَم يُجَنَّ يَوماً بِعِرسِ
لَبِسَت بِالأَصيلِ حُلَّةَ وَشيٍ     بَينَ صَنعاءَ في الثِيابِ وَقَسِّ
قَدَّها النيلُ فَاِستَحَت فَتَوارَت     مِنهُ بِالجِسرِ بَينَ عُريٍ وَلُبسِ
وَأَرى النيلَ كَالعَقيقِ بَوادي     هِ وَإِن كانَ كَوثَرَ المُتَحَسّي
اِبنُ ماءِ السَماءِ ذو المَوكِبِ الفَخمِ     الَّذي يَحسُرُ العُيونَ وَيُخسي
لا تَرى في رِكابِهِ غَيرَ مُثنٍ     بِخَميلٍ وَشاكِرٍ فَضلَ عُرسِ
وَأَرى الجيزَةَ الحَزينَةَ ثَكلى     لَم تُفِق بَعدُ مِن مَناحَةِ رَمسي
أَكثَرَت ضَجَّةَ السَواقي عَلَيهِ     وَسُؤالَ اليَراعِ عَنهُ بِهَمسِ
وَقِيامَ النَخيلِ ضَفَّرنَ شِعراً     وَتَجَرَّدنَ غَيرَ طَوقٍ وَسَلسِ
وَكَأَنَّ الأَهرامَ ميزانُ فِرعَو     نَ بِيَومٍ عَلى الجَبابِرِ نَحسِ
أَو قَناطيرُهُ تَأَنَّقَ فيها     أَلفُ جابٍ وَأَلفُ صاحِبِ مَكسِ
رَوعَةٌ في الضُحى مَلاعِبُ جِنٍّ     حينَ يَغشى الدُجى حِماها وَيُغسي
وَرَهينُ الرِمالِ أَفطَسُ إِلّا     أَنَّهُ صُنعُ جِنَّةٍ غَيرُ فُطسِ
تَتَجَلّى حَقيقَةُ الناسِ فيهِ     سَبُعُ الخَلقِ في أَساريرِ إِنسي
لَعِبَ الدَهرُ في ثَراهُ صَبِيّاً     وَاللَيالي كَواعِباً غَيرَ عُنسِ
رَكِبَت صُيَّدُ المَقاديرِ عَينَيهِ     لِنَقدٍ وَمَخلَبَيهِ لِفَرسِ
فَأَصابَت بِهِ المَمالِكَ كِسرى     وَهِرَقلاً وَالعَبقَرِيَّ الفَرَنسي
يا فُؤادي لِكُلِّ أَمرٍ قَرارٌ     فيهِ يَبدو وَيَنجَلي بَعدَ لَبسِ
عَقَلَت لُجَّةُ الأُمورِ عُقولاً     طالَت الحوتَ طولَ سَبحٍ وَغَسِّ
غَرِقَت حَيثُ لا يُصاحُ بِطافٍ     أَو غَريقٍ وَلا يُصاخُ لِحِسِّ

احمد شوقي - هذي المحاسنُ ما خلفتَ لِبُرقُع

ضُمّي قِناعَكِ يا سُعادُ أَو اِرفَعي     هَذي المَحاسِنُ ما خُلِقنَ لِبُرقُعِ
الضاحياتُ، الباكياتُ، ودونَها     ستر الجلالِ ، بعدُ شأو الملطع
يا دُمْيَة ً لا يُستزاد جمالُها     زيديه حُسْنَ المُحْسِن المتبرِّع
ماذا على سلطانِه من وقفة     للضَّارعين، وعَطْفة ٍ للخُشَّع؟
بل ما يضركِ لو سمحت بحلوة ؟     إنّ العروسَ كثيرة ُ المتطلَّع
ليس الحجابُ لِمن يَعِز مَنالُه     إن الحجاب لهين لم يمنع
أَنتِ التي اتَّخذ الجمالَ لعزِّه     من مظهر ، ولسره من موضع
وهو الصناع ، يصوغ كل دقيقة     وأَدقّ منكِ بَنانُه لم تَصْنَع
لمستك راحته ، ومسك روحه     فأَتى البديعُ على مِثال المُبْدِعِ

* * *
الله في الأحبار : من متهالكٍ     نضوٍ ، ومهتوكِ المسوحِ مصرع
من كل غاوٍ في طوية ِ راشدٍ     عاصي الظواهرِ في سريرة ِ طَيِّع
يَتَوَهَّجون ويَطفأَون، كأَنهم     سرجٌ بمعتركِ الرياحِ الأربع
علموا ، فضاق بهم وشقَّ طريفهم     والجاهلون على الطريق المَهْيَع
ذهب ابن سينا ، لم يفز بكِ ساعة ً     وتَوَلَّت الحكماءُ لم تَتَمَتّع
هذا مقامٌ ، كلُّ عِزٍّ دونَه     شمسُ النهارِ بمثله لم تطمع
فمحمدٌ لك والمسيح ترجلا     وترجلتْ شمسُ النهار ليوشع
ما بالُ أَحمدَ عَيَّ عنكِ بيانُه؟     بل ما لعيسى لم يقلْ أو يدع
وَلِسانُ موسى اِنحَلَّ إِلّا عُقدَةً     مِن جانِبَيكَ عِلاجُها لَم يَنجَع

* * *
لَمّا حَلَلتِ بِآدَمٍ حَلَّ الحِبا     وَمَشى عَلى المَلَأ السُجودِ الرُكَّعِ
وَأَرى النُبُوَّةَ في ذَراكِ تَكَرَّمَت     في يوسُفٍ وَتَكَلَّمَت في المُرضَعِ
وَسَقَت قُريشَ عَلى لِسانِ مُحَمَّدٍ     بِالبابِلِيِّ مِنَ البَيانِ المُمتِعِ
وَمَشَت بِموسى في الظَلامِ مُشَرَّداً     وَحَدَتهُ في قُلَلِ الجِبالِ اللُمَّعِ
حَتّى إِذا طُوِيَت وَرِثتِ خِلالَها     رُفِعَ الرَحيقُ وَسِرُّهُ لَم يُرفَعِ
قَسَمَت مَنازِلَكِ الحُظوظُ فَمَنزِلاً     أُترَعنَ مِنكِ وَمَنزِلاً لَم تُترَعِ
وَخَلِيَّةً بِالنَحلِ مِنكِ عَميرَةً     وَخَلِيَّةً مَعمورَةٍ بِالتُبَّعِ
وَحَظيرَةً قَد أودِعَت غُرَرَ الدُمى     وَحَظيرَةً مَحرومَةً لَم تودَعِ
نَظَرَ الرَئيسُ إِلى كَمالِكِ نَظرَةً     لَم تَخلُ مِن بَصَرِ اللَبيبِ الأَروَعِ

* * *
فَرآهُ مَنزِلَةً تَعَرَّضَ دونَها     قِصَرُ الحَياةِ وَحالَ وَشكُ المَصرَعِ
لَولا كَمالُكِ في الرَئيسِ وَمِثلِهِ     لَم تَحسُنِ الدُنيا وَلَم تَتَرَعرَعِ
اللَهُ ثَبَّتَ أَرضَهُ بِدَعائِمٍ     هُم حائِطُ الدُنيا وَرُكنُ المَجمَعِ
لَو أَنَّ كُلَّ أَخي يَراعٍ بالِغٌ     شَأوَ الرَئيسِ وَكُلَّ صاحِبِ مِبضَعِ

* * *
ذَهَبَ الكَمالُ سُدىً وَضاعَ مَحَلُّهُ     في العالَمِ المُتَفاوِتِ المُتَنَوِّعِ
يا نَفسُ مِثلُ الشَمسِ أَنتِ أَشِعَّةٌ     في عامِرٍ وَأَشِعَّةٌ في بَلقَعِ
فَإِذا طَوى اللَهُ النَهارَ تَراجَعَت     شَتّى الأَشِعَّةِ فَاِلتَقَت في المَرجِعِ
لَما نُعيتِ إِلى المَنازِلِ غودِرَت     دَكّاً وَمِثلُكِ في المَنازِلِ ما نُعي
ضَجَّت عَلَيكِ مَعالِماً وَمَعاهِداً     وَبَكَت فُراقُكِ بِالدُموعِ الهُمَّعِ
آذَنتِها بِنَوىً فَقالَت لَيتَ لَم     تَصِلِ الحِبالَ وَلَيتَها لَم تَقطَعِ
وَرِداءُ جُثمانٍ لَبِستِ مُرَقَّمٍ     بِيَدِ الشَبابِ عَلى المَشيبِ مُرَقَّعِ

* * *
كَم بِنتِ فيهِ وَكَم خَفيتِ كَأَنَّهُ     ثَوبُ المُمَثِّلِ أَو لِباسُ المَرفَعِ
أَسَئِمتِ مِن ديباجِهِ فَنَزَعتِهِ     وَالخَزُّ أَكفانٌ إِذا لَم يُنزَعِ
فَزِعَت وَما خَفِيَت عَلَيها غايَةٌ     لَكِنَّ مَن يَرِدِ القِيامَةَ يَفزَعِ
ضَرَعَت بِأَدمُعِها إِلَيكِ وَما دَرَت     أَنَّ السَفينَةَ أَقلَعَت في الأَدمُعِ
أَنتِ الوَفِيَّةُ لا الذِمامُ لَدَيكِ مَذ     مومٌ وَلا عَهدُ الهَوى بِمُضَيَّعِ
أَزمَعتِ فَاِنهَلَّت دُموعُكِ رِقَّةً     وَلَوِ اِستَطَعتِ إِقامَةً لَم تُزمِعي
بانَ الأَحِبَّةُ يَومَ بَينِكِ كُلُّهُم     وَذَهَبتِ بِالماضي وَبِالمُتَوَقَّعِ

* * *

احمد شوقي - قالوا فروقُ الملكِ دارُ مخاوفٍ

قالوا فروقُ الملكِ دارُ مخاوفٍ     لا ينقضي لنزيلها وسواسُ
وكلابُها في مأمنٍ ، فأعجب لها     أَمِنَ الكلابُ بها، وخاف الناسُ
يهم بها، ولا عينٌ تُحِس     كالثريا تريد أن تَنقضَّاً
مشرفات على الكواكب نهضا     كرهت فراقك وهيَ ذات تفجُّع
أَيها المنتحي بأَسوان داراً     ومنازلاً بفراقها لم تقنع
    غَشِيتُك والأَصيلُ يَفيض تبراً

زهورٌ لا تُشمُّ، ولا تُمَسُّ

أَين ملكٌ حيالَها وفريد

شيَّدتْ بعضها الفراعينُ زلقى
    اخلع النعلَ، واخفِض الطرفَ، واخشع
بل ما يضركِ لو سمحت بحلوة ؟     مُشرفاتٍ على الزوالِ، وكانت
وهو الصناع ، يصوغ كل دقيقة     نعُ منه اليَدَيْنِ بالأَمس نفضا
صنعة ٌ تدهش العقولَ ، وفنٌّ     وخيرُ الوقتِ ما لكَ فيه أُنس
كأَن الخُود مريمُ في سُفور     كان حتى على الفراعين غمضا

علموا ، فضاق بهم وشقَّ طريفهم
    يا: سماءَ الجلاِل ، لا صرتِ أرضاً

وأَمواهٌ على الأَردُنِّ قُدْس
هذا مقامٌ ، كلُّ عِزٍّ دونَه     شمسُ النهارِ بمثله لم تطمع

كأَن مآزِر العِينِ انتساباً
أين أيزيس تحتها النيل يجري     حكمت فيه شاطئين وعرضا ؟
وأرى النبوة َ في ذراكِ تكرمتْ     في يوسفٍ ، وتكلَّمت في المرضع
وكان النيلُ يعرِس كلَّ عامٍ     في قيود الهوانِ ، عنانينَ جرضى

أين هوروسُ بين سيف ونطعٍ ؟
    إذا لم يَسترِ الأَدَبُ الغواني
نظر الرئيس إلى كمالكِ نظرة ً     لم تخلُ من بصر اللبيب الأروع
    وشبابُ الفنونِ ما زال غضّا

لما نعيت إلى المنازل عودرتْ
    شيمة ُ النيل أَن يفي، وعجيب
بان الأحبة ُ يومَ بينكِ كلُّهم     ومقاصيرُ أُبْدِلَت بفُتاتِ الـ

احمد شوقي - فثَمَّ جَلالة ٌ قَرَّتْ ورامت

فثَمَّ جَلالة ٌ قَرَّتْ ورامت
سريا صليب الرِّفقِ في ساح الوغى     وانتشر عليها رحمة ً وحنانا
ولو صَرَّحت لم تُثر الظنونا     وهل تصوّرُ أفراداً وأعيانا؟
نزلنَ أَولَ دارٍ في الثرى رَفعَت     للشمس مُلكاً ، وللأقمار سلطانا
    ووقى من الفتنِ العبادَ، وصانا
تفننت قبل خلق الفن، وانفجرت     علماً على العُصُرِ الخالي وعِرفانا
والمسْ جراحاتِ البريَّة ِ شافياً     ما كنت إلا للمسيح بنانا
أُبَوَّة ٌ لو سكتا عن مفاخرهم     تواضعاً نطقت صخراً وصَوَّانا

وإذا الوطيسُ رمى الشباب بناره
    واضرَع ، وسلْ في خلقِه الرّحمانا
هم قلَّبوا كرَة الدنيا فما وجدَتْ     جلالُ الملك أَيامٌ وتمضي
فيا لكِ هِرَّة ً أَكلت بنيها     للهِ له بيعاً ولا صلبانا
وصيّروا الدهرَ هزءاً يسخرون به     يَسُلُّ من التراب الهامدينا
لم يَسلك الأَرضَ قومٌ قبلهم سُبُلاً     ولا الزواخرَ أَثباجاً وشُطَّانا
    ومن دُولاتهم ما تعلمينا
تقدم الناسَ منهم محسنون مضَوا     للموت تحت لواءِ العِلم شجعانا
إن الذي أمرُ الممالك كلذِها     بيديه ؛ أحدثَ في الكنانة شانا
جابوا العُبابَ على عودٍ وسارية ٍ     وأغلوا في الفَلا كاأُسْدِ وحْدانا
أَزمانَ لا البرُّ بالوابور منتهَباً     ولا «البخارُ» لبنت الماءِ رُبَّانا
وكان نزيلُهُ بالمَلْكِ يُدعَى     فينتظم الصنائعَ والفنونا
هل شيَّع النشءُ رَكْبَ العلم، واكتنفوا     لعبقرية ٍ أَحمالاً وأَظعانا؟
أوَما ترون الأرضَ خُرّب نصفُها     وديارُ مصرٍ لا تزال جنانا؟
    عِزَّ الحضارة أعلاماً وركبانا؟
يسيرُ تحت لواءِ العلم مؤتلفاً     ولن ترى كنودِ العلم إخوانها

كجنود عَمْروٍ ، أينما ركزوا القنا
العلمُ يجمعُ في جنسٍ ، وفي وطنٍ     شتى القبائل أجناساً ، وأوطانا
ولم يزِدْكَ كرسمِ الأَرض معرفة ً     وتارة ً بفضاءِ البَرِّ مُزدانا
علمٌ أَبان عن الغبراءِ، فانكشفتْ     زرعا، وضرعا، وإقليما، وسُكانا
أُممَ الحضارة ِ، أنتمُ آباؤنا     منكم أخذنا العلمَ والعرفانا
وقسم الأرض آكاماً، وأودية ً     نحاذرُ أَن يؤول لآخرينا
بنيانُ إسماعيل بعد محمدٍ     وتركُك في مسامعها طنينا
وبيَّن الناسَ عادات وأمزجة ً     سَيَفْنَى ، أَو سَيُفْنِي المالكينا
وما تلك القبابُ؟ وأَين كانت؟     وما لكَ حيلة ٌ في المرجفينا:
ومن المروءة ِ - وهي حائطُ ديننا -     أن نذكرَ الإصلاحَ والإحسانا
وفدَ الممالك ، هز النيل مَنكبَه     لما نزلتم على واديه ضيفانا
غدا على الثغرِ غادٍ من مواكبكم     مُمرَّدة البناءِ، تُخالُ برجاً
    لم يعرفوا الأحقاد والأضغانا
جرت سفينتُكم فيه ، فقلَّبها     على الكرامة قيدوماً وسكانا
يلقاكمُ بسماءِ البحر معتدلٌ     نزلتُم بعَروسِ المُلكِ عُمرانا
ودالتْ دولة المتجبِّرينا     كأنه فلق من خِدره بانا
أناف خلف سماءِ الليل متقداً     يخال في شُرفات الجوِّ كيوانا
تطوي الجواري إليه اليمّ مقبلة ً     تجري بوارجَ أَو تنساب خُلجانا
نورُ الحضارة لا تبغي الركابُ له     لا بالنهار ولا بالليل برهانا
يا موكبَ العلم، قِفْ في أَرض منْفَ به     فكانوا الشُّهبَ حين الأَرض ليلٌ
بكى تمائمَهُ طفلاً بها، ويبكي     ملاعباً من دبى الوادي وأحضانا
أرض ترعرع لم يصحب بساحتها     إِلاَّ نبيين قد طابوا، وكهّانا
عيسى ابنُ مريم فيها جرّ بُردتَه     وجرّ فيها العصا موسى بن عِمرانا
لو لا الحياء لناجتْكم بحاجتها     لعل منكم على الأيام أعوانا
وهل تبقى النفوسُ إِذا أَقامت     ليَّنتُمُ كلَّ قلبٍ لم يكن لانا
فضاقت عن سفينهم البحار     فلرُبَّ إِخوانٍ غَزَوْا إِخوانا

أمورٌ تضحكُ الصبيانُ منها
    وانشر عليها رحمة ً وحنانا
    وصيَّرنا الدخان لهم سماء
وأَراد أَمراً بالبلاد فكانا     هِزبر من ليوث الترك ضاري
    علومَ الحربِ عنكم والفنونا

احمد شوقي - الدستور العثماني

الدستور العثماني
رحَّالة َ البَدْو هاموا في فيافيها     ءِ ، وأنت برهانُ العِنايه
يا فرنسا، تلت أسبابَ السماءْ     وتملَّكتِ مقاليدَ الجِواءُ
أَو فمُ الحبيبِ، جلا     فهي فِضة ذَهَبُ
    إِذا الآجالُ رجَّت منه لينا
علبَ النسرُ على دولته     وتنحى لك عن عرش الهواءُ
ليت هاجري     وهْيَ تارة ً خَبَبُ
العفافُ زينتُها     يُشتهَى ، ويُطَّلب
وكل خيرٍ يلقَّى في أَوامرها     مة ِ ، والصليبَ من الرعايه
    وكيف تنامُ يا عبدَ الحميد
وأتتكِ الريحُ تمشي أمة     لكِ - يا بلقيسُ - من أوفى الإماء

حنُّوا إليها كما حَنّتْ لهم زمناً
رُوِّضتْ بعدَ جِماحٍ، وجرتْ     طوعَ سُلطانيْنِ: علمٍ، وذَكاءْ
علَّ بيننا     واشياً كذب
لكِ خَيْلٌ بجناحٍ أَشبهت     خَيْلَ جبريلَ لنصرِ الأَنبياء
أو مفنّداً     والرّعيَّة ُ النُّخَبُ

المحسنون همُ اللبا
مَن لِمدْنَفٍ     دمعه سحب؟
فإِن ذلك أَجرى من معاليها     ـغالي وحرمتِه كنايه
بالأَمس لادي لوثرٍ     بُرُدٍ في البرِّ والبَحْرِ بِطاءْ
يُبتغى ويُجتذَب     فهْيَ تارة ً مَهَلٌ
لم تأْلُ جِيرتَها عنايه     فوقَ عُنْق الرِّيحِ، أَو متْنِ العَمَاء

وما هاب الرُّماة َ مسدِّدينا
الأَحمران عن الدم الـ     ولا وراء مداها فيه علياءُ
رحلة ُ المشرِقِ والمغرِبِ ما     لبثتْ غيرَ صَبَاح وَمَسَاء
    همُ الأَبطالُ في ماضٍ وآتي
    عندهَ وَصَب
ذقتُ صدّه     غيرَ محتسِب
أَسْدَتْ إِلى أَهل الجنو     لِفريقٍ من بَنيكِ البُسلاء
وليس مُستعظَماً فضلٌ ، ولا كرمٌ     وحسبُ نفسك إِخلاصٌ يُزكِّيها
تارة ً ويُقْتَضَب     سيِّدي لها فلَكٌ
    يعادِلُ جَمعُهم منا جنينا
ضاقت الأرض بهم ، فاتخذوا     في السَّماوات قبورَ الشهداء
بُ، وسائرُ الناسِ النفايه     سمراءَ النجمِ في أوج العلاءُ
خلافة الله في أحضانِ دولتهم     شابَ الزمانُ ، وما شابت نواصيها
    أخجل القُضُب
بيْن عَينه     جَنَّة ٌ، هي الأَرَب
دروعُها تحتمي في النائباتِ بهم     من رمح طاعنِها ، أَو سهمِ راميها
حُوَّماً فوقَ جبالٍ لم تكن     بَ الجهالة والعَمايه
أُبْسُطْ جَنَاحَيْكَ اللذيْـ     ولهم ألفُ بساط في الفضاء

الرأَيُ رأَيُ أميرِ المؤمنين إذا
والحربُ للشيطان رايه     رفعة ِ الذكر ، وعلياء الثناء
ساقي الطِّلا     شربها وجب
يا نسوراً هبطوا الوادي على     سالِف الحُبِّ، ومَأْثورِ الوَلاء
لم تكشف النفس لولاه ، ولا بلين     لها سرائر لا تحصى واهواءُ
هاتها مشت     فوقها الحقب
دارُكم مصرُ، وفيها قومُكم     مرحباً بالأقربين الكرماء
    تنفثُ الحبب
طرتم فيها ، فطارت فرحاص     بأعزِّ الضيفِّ خيرِ النزلاء
    والمعِيَّة ُ النجُبُ
    ولا استخفَّكَ للذَّاتِ داعيها
هُذِّبَتْ ففي     والنُّهودُ هامِدة ٌ
هَل شجاكم في ثَرى أَهرامِها     ما أرقتمْ من دموع ودماء ؟
أين نسرٌ قد تلقَّى قبلكم     عِظة الأَجيالِ من أَعلى بِناء؟
إسقها فتى ً     خيرَ مَن شرِب
لو شهِدتم عصره! أضحى له     عالمُ الأَفلاكِ معقودَ اللواء
كلما طغى     راضها الحسب
تكادُ من صُحبة ِ الدنيا وخبرِتها     وجاءَته جنودُك مبطلينا
    مة ِ، والصليبَ من الرعايه
علبدينُ أم     في هَوَادجٍ عَجَلاً
رأَيتَ الحلمَ لما زاد غَرَّا     فلبَّتْه الفيالقُ والأَرادي
ـغالي وحرمتِه كنايه     فمشى للقبر مجروحَ الإباء
أخذتْ تاجاً بتاجٍ تأرها     وجَزَتْ من صَلفٍ بالكبرياء

احمد شوقي - تَحْلِيَة ُ كِتَاب


لا السُّهد يدنيني إليه ، ولا الكرى     طَيْفٌ يزورُ بفضله مهما سرى
تَخِذَ الدُّجى ، وسماؤه ، ونجومه     سُبُلاً إلى جنيفك ، لم يرضَ الثرى
وأتاك موفور النعيم ، تخاله     ملكاً تنمُّ به السماءُ، مُطهَّرا
عِلم الظلامُ هبوطه، فمشت له     أهدابه يأخذنه متحدِّراً
وَحَمى النَسائِمَ أَن تَروحَ وَأَن تَجي     حَذَراً وَخَوفاً أَن يُراعَ وَيُذعَرا
ورقدْتَ تُزْلِف للخيال مكانَه     بين الجفون، وبين هُدبِك، والكرى
فهَنِئْتَهُ مثلَ السعادة ِ شائقاً     متصوراً ما شئتَ أَن يَتصورا
تطوى له الرقباء منصور الهوى     وتدوس ألسنة الوشاة ِ مظفَّرا

* * *
لولا امتنانُ العين يا طيفَ الرضا     ما سامحت أيامها فيما جرى
باتَت مُشَوَّقَةً وَباتَ سَوادُها     زونا بِتِمثالِ الجَمالِ مُنَوِّرا
تُعطى المُنى وَتُنيلُهُنَّ خَليقَةً     بِكَ أَن تُقَدِّمَ في المِنى وَتُؤَخِّرا
وَتُعانِقُ القَمَرَ السَنِيَّ عَزيزَةً     حَتّى إِذا وَدَّعتَ عانَقتَ الثَرى
في ليلة ٍ قدِم الوجودَ هلالُها     فدنت كواكبُها تُعلِّمه السُّرى
وتريه آثار البدورِ ليقتفي     ويرى له الميلادُ أن يتصدّرا
ناجيتُ مَن أَهوى ؛ وناجاني بها     بين الرياض ، وبين ماءِ سويسرا
حيث الجبالُ صغارُها وكبارُها     من كل أَبيضَ في الفضاءِ وأَخضرا
تَخِذَ الغمامُ بها بيوتاً، فانجلت     مشبوبة َ الأجرام ، شائبة َ الذُّرَى

احمد شوقي - نجيَّ أبي الهول: آن الآوان

نجيَّ أبي الهول: آن الآوا     نُ، ودان الزمانُ، ولانَ القدر
خبأْتُ لقومِك ما يستقو     نَ، ولا يَخبأُ العذبَ مثلُ الحجر
فعندي الملوكُ بأعيانها     وعندَ التوابيتِ منها الأثر
محا ظلمة َ اليأْس صُبحُ الرجا     أَبا الهول، ماذا وراءَ البقا

احمد شوقي - اليوم نَسود بوادينا

اليوم نَسود بوادينا     ونُعيد محاسنَ ماضينا
ويشيدُ العزّ بأَيدينا     وطنٌ نَفديه ويَفدينا
وطنٌ بالحق نؤيِّدُه     وبعين الله نشيِّده
وطنٌ بالحق نؤيِّدُه     وبعين الله نشيِّده
    والصناع عبء السيطرة
ونحسِّنُه، ونزيِّنُه     بمآثرنا ومساعينا
ونحسِّنُه، ونزيِّنُه     بمآثرنا ومساعينا
سرُّ التاريخ، وعُنصرُه     وسريرُ الدهرِ وِمنبرُه
تحكمهم راهبة ٌ     ذكَّارة ٌ مُغبِّرهْ
وجِنانُ الخلد، وكوثرُهُ     وكفى الآباءُ رياحينا
نتخذُ الشمسَ له تاجا     وُضُحاها عرشاً وهاجا
وسماء السُّودَدِ أبراجا     وكذلك كان أوالينا
وسماء السُّودَدِ أبراجا     وكذلك كان أوالينا
العصرُ يراكُمْ، والأمم     والكرنك يلحظُ، والهرمُ
أبني الأوطان ألا هِمَمُ     كبناءِ الأول يبنينا؟
سعياً أَبداً، سعياً سعياً     لأَثيل المجد وللعَلْيا
    تكاد لإِغراقِها في الجمو
ولم تفتخر بأَساطيلها     لَ اليدين ؛ لم تره
المالُ في أتبعها     فلا تستبين سوى قرية ٍ
وفي الرجال كرم     ولا يشعرُ القومُ إِلاَّ به
تقلدتْ إبرتها     وادرعت بالحبره
تطالب بالحق في أُمة     دِ الخشن المنمرِّه
المالُ في أتبعها     فلا تستبين سوى قرية ٍ
لو عرفوا عرفوا     كأَنك فيها لواءُ الفضا
أو طاف بالماءِ على     جدرانه المجدّره
وتذهب النحل خفا     فاً ، وتجيءُ موقره

احمد شوقي - قف سائل النحلَ به

قف سائل النحلَ به
إلامَ الخلفُ بينكم؟ إلاما ؟     وهذي الضجة ُّ الكبرى علاما ؟
لكلَّ زمانٍ مضى آية ٌ     وآية هذا الزمانِ الصُّحُف
ولم نَعْدُ الجزاءَ والانتقاما     فما رقادُكم يا أشرف الأُممِ؟
    مُلْكٌ بَنَيْتِ على سيوفِ بَنِيكِ
يا أخت أندلسٍ ، عليك سلامُ     هوت الخلافة عنكِ ، والإسلام
دولة ٌ شاد ركنَها أَلفُ عام     عُمَرٌ أَنتَ، بَيْدَ أَنك ظلٌّ
    وبارك اللهُ في عمات عباس
يا ربّ ، أمُرك في الممالك نافذٌ     والحكمُ حكمُك في الدمِ المسفوك
في العالمين، وعصمة ٌ، وسلام     فَرْعَ عثمانَ ، دُمْ ، فداك الدوامُ
يراكب الريح، حيِّ النيلَ والهرَما     وعظِّمِ السفحَ من سيناء ، والحرما
غالِ في قيمة ِ ابن بُطْرُسَ غالي     علم اللهُ ليس في الحقّ غالي
ما هيَّأَ اللَّهُ من حظٍّ وإِقبال     كالتاج في هامِ الوجود جلالا
قم للمعلِّم وفِّه التبجيلا     كاد المعلم أن يكون رسولا
ما للقُرَى بين تكبيرٍ وإهلال     وللمدائن هزْت عطفَ مختال؟
مَن الموائسُ باناً بالرُّبى وقَناً     برغمي أن أنالك بالملام
    لا في جوانب رسمِ المنزلِ البالي
إن شئت أهرِقُه، وإن شئت احمِهِ     هو لم يكن لسواك بالملوك
قد مسها في حماك الضرُّ ، فاقض لها     إِذا ما لم تكن للقول أَهلاً

يفتحْ على أُممِ الهلالِ وينصرِ

رُبَّ مدحٍ أَذاع في الناس فضلاً
وفيمَ يكيدُ بعضكمُ لبعض     وتبدون العداوة والخصاما ؟
وإِذا خطرتَ على الملا     يبني ، وبنشئ أنفساً وعقولا؟

البُعْدُ أَدناني إِليكَ، فهل تُرى
لبسوا السوادَ عليكِ فيه وقاموا     أنها الشمس ليس فيها كلام؟

البعدُ أدناني إليك ، فهل ترى
    عُد للمحاماة الشريـ
بالفردِ، مخزوماً به، مغلولا     رَبُّوا على الإِنصافِ فتيانَ الحِمَى
واحكم بعدلك، إن عدلَكَ لم يكن     بالمُمترى فيه ، ولا المشكوك
    قدرٌ يحطُّ البدر وهو تمام
أدبُ الأكثرين قولٌ ، وهذا     أدب في النفوس والأفعال
مرت عليه في اللحود أهلة ً     ومضى عليهم في القيود العام
    وأَنت أَحييتَ أَجيالاً مِن الزّمم
يا مالكاً رِقَّ الرقاب ببأسه     هلا اتخذتَ إلى القلوب سبيلا ؟
أَرجُ الرياضِ نقلته     ـأَخلاق، أو مالُ العديم

ويُصَدَّر الأَعمى به تطفيلا
وادع الذي جَعَل الهلالَ شِعارَه     يفتحْ على أُممِ الهلالِ وينصر
ألا ليت البلاد لها قلوب     حتى ظنَنَّا الشافِعيّ، ومالكاً

كيف الخؤولة فيكِ والأَعمام؟
ألأجل آجال دنت وتهيّأت     قدّرتَ ضربَ الشاطئ المتروك؟
رُسَّفاً في القيود والأَغلال     تسمو وتُطرقُ من شوقٍ وإجلال
من كُتلة ٍ ما كان أَعيا مِلْنَرا     إن قيس بحٌركُمُ الطامي بمقياس

شرفٌ باذخٌ، وملكٌ كبيرٌ
ونفضتهم مِئبره     واقعد بهم في ذلك المستمطر
    واربأْ بحلْمكَ في النوا

البِرُّ مِنْ شُعبِ الإيمان أفضلها
واين ذهبتم بالحقّ لما     ركبتم في قضيته الضلاما ؟
    أَنذرتَنا رِقّاً يدوم، وذِلَّة ً
لقد صارتْ لكم حكماً وغنماً     وسريتَ من شِعبِ الأَلَمْـ
يا مِهرجانَ البرِّ ، أنت تحية ٌ     ـمخالبِ المذكَّره
ما كان يحميه، ولا يُحمَى به     فُلكان أَنْعَمُ من بواخر كوك
    وضاعَفَ القُرب ما قُلِّدْتَ من مِنَنٍ
نادي الملوكِ، وجَدُّه غنام     أنت فيه خليفة ٌ وإمام
وأَبي حنيفة في الورَع     نبا الرزق فيها بكم واختلف
هذا الزمان تناديكم حوادثه     يا دولة السيف ، كوني دولة القلم

فأَخذْتِه حُرّاً بغيرِ شريك
ما دام مغناكم فليس بسائلٍ     أحوى السيادة صبية ً وكهولا
    عهدَ السَّمَوْألِ، عُرْوَة ً، وحِبالا

وإذا خطرتَ على الملا

يا لائمي في هواه - والهوى قدرٌ -
لم يطو ماْتمُها ، وهذا مأتمٌ     لبسوا السواد عليك فيه وقاموا
    وتكادُ من نور الإِله حِيالَه
ورحنا ـ وهْي مدبرة ٌ ـ نَعاما     ملكنا مارِنَ الدنيا بوقتٍ
وثقتم واتهمتم في الليالي     فلا ثقة ً أدمنَ ، ولا اتهاما

هلا بدا لك أن تجامل بعد ما

صاحبته عشرين غيرَ ذميمة ٍ
هذي بجانبها الكسيرِ غريقة ٌ     تهوي، وتلك بركنها المدكوك

نَدّاً بأَفواهِ الركاب وَعَنبَرا

احمد شوقي - قِفْ بروما ، وشاهد الأمرَ ، واشهد

قِفْ بروما ، وشاهد الأمرَ ، واشهد     أَن للمُلك مالكاً سبحانَه
دولة ٌ في الثرى ، وأَنقاضُ مُلكٍ     هَدَمَ الدهرُ في العُلا بنيانه
مَزقت تاجهَ الخطوبُ ، وألقت     في الترابِ الذي أرى صولجانه
طللٌ ، عند دمنة ٍ ، عند رسمٍ     ككتابٍ محا البلى عنوانه
وَتَماثيلُ كَالحَقائِقِ تَزدا     دُ وُضوحاً عَلى المَدى وَإِبّانَه
مَن رَآها يَقولُ هَذي مُلوكُ     الدَهرِ هَذا وَقارُهُم وَالرَزانَه
وَبَقايا هَياكِلٍ وَقُصورٍ     بَينَ أَخذِ البِلى وَدَفعِ المَتانَه
عَبَثَ الدَهرُ بِالحَوارِيِّ فيها     وَبَيلَيوسَ لَم يَهَب أُرجُوانَه
وَجَرَت هاهُنا أُمورٌ كِبارٌ     واصَلَ الدَهرُ بَعدَها جَرَيانَه
راحَ دينٌ وَجاءَ دينٌ وَوَلّى     مُلكُ قَومٍ وَحَلَّ مَلِكٌ مَكانَه
وَالَّذي حَصَّلَ المُجِدّونَ إِهرا     قُ دِماءٍ خَليقَةٍ بِالصِيانَه
لَيتَ شِعري إِلامَ يَقتَتِلُ النا     سُ عَلى ذي الدَنِيَّةِ الفَتّانَه
بَلَدٌ كانَ لِلنَصارى قَتاداً     صارَ مُلكَ القُسوسِ عَرشُ الدِيانَه
وَشُعوبٌ يَمحونَ آيَةَ عيسى     ثُمَّ يُعلونَ في البَرِيَّةِ شانَه
وَيُهينونَ صاحِبَ الروحِ مَيتاً     وَيُعِزّونَ بَعدَهُ أَكفانَه
عالَمٌ قُلَّبٌ وَأَحلامُ خَلقٍ     تَتَبارى غَباوَةً وَفَطانَه
رَومَةُ الزَهوِ في الشَرائِعِ وَالحِك     مَةِ في الحُكمِ وَالهَوى وَالمَجانَه
وَالتَناهي فَما تَعَدّى عَزيزاً     فيكِ عِزٌّ وَلا مَهيناً مَهانَه
ما لِحَيٍّ لَم يُمسِ مِنكِ قَبيلٌ     أَو بِلادٌ يُعِدُّها أَوطانَه
يُصبِحُ الناسُ فيكِ مَولى وَعَبداً     وَيَرى عَبدُكِ الوَرى غِلمانَه
أَينَ مُلكٌ في الشَرقِ وَالغَربِ عالٍ     تَحسُدُ الشَمسُ في الضُحى سُلطانَه
قادِرٌ يَمسَخُ المَمالِكَ أَعما     لاً وَيُعطي وَسيعَها أَعوانَه
أَينَ مالٌ جَبَيتِهِ وَرَعايا     كُلُّهُم خازِنٌ وَأَنتِ الخَزانَه
أَينَ أَشرَافُكِ الَّذينَ طَغَوا في الدَه     رِ حَتّى أَذاقَهُم طُغيانَه
أَينَ قاضيكِ ما أَناخَ عَلَيهِ     أَينَ ناديكِ ما دَهى شَيخانَه
قَد رَأَينا عَلَيكِ آثارَ حُزنٍ     وَمِنَ الدورِ ما تَرى أَحزانَه
اِقصِري وَاِسأَلي عَنِ الدَهرِ مِصراً     هَل قَضَت مَرَّتَينِ مِنهُ اللُبانَه
إِنَّ مَن فَرَّقَ العِبادَ شُعوباً     جَعَلَ القِسطَ بَينَها ميزانَه
هَبكِ أَفنَيتِ بِالحِدادِ اللَيالي     لَن تَرَدّى عَلى الوَرى رومانَه

احمد شوقي - حُسامُك من سقراطَ في الخطب أَخْطَبُ

حُسامُك من سقراطَ في الخطب أَخْطَبُ     وعودك من عود المنابر اصلبُ
ملكتَ سَبِيلَيْهِمْ:ففي الشرق مَضْرِبٌ     لجيشك ممدودٌ ، وفي الغرب مضرب
وعزمك من هومير أمضى بديهة     وأجلى بياناً في القلوب ، واعذب
وإن يذكروا إسكندراً وفتوحه     فعهدُك بالفتح المحجَّل أَقرب
ثمانون ألفاً أسد غابٍ ، ضراغمٌ     لها مِخْلبٌ فيهم، وللموتِ مخلب
إِذا حَلمتْ فالشرُّ وسْنانُ حالمٌ     وإن غضبتْ فالشرُّ يقظان مغضب
ومُلكُك أرقى بالدليل حكومة ً     وأَنفذُ سهماً في الأُمور، وأَصوَب
وتغشى أَبِيّاتِ المعاقل والذُّرا     فثيِّبُهُنَّ البِكْرُ، والبكْرُ ثَيِّب
ظهرتَ أَميرَ المؤمنين على العدا     ظهوراً يسوء الحاسدين ويتعب
يقود سراياها ، ويحمي لواءها     حوائرَ، ما يدرين ماذا تخرِّب؟
سل العصر ، والأيام : والناس : هل نبا     لرأْيك فيهم، أو لسيفكَ مَضْرِب
همُ ملأوا الدنيا جَهاماً، وراءَه     جهامٌ من الأعوان أَهذَى وأَكذب
يجيء بها حيناً ، ويرجع مرة ً     كما تَدفعُ اللّجَّ البحارُ وتَجْذِب
ويرمي بها كالبحر من كلِّ جانبٍ     فكل خميسٍ لجة ٌ تتضرب
فلما استللت السيف أخلب برقهم     وما كنت - يا برق المنية - تخلبُ
أخذتهم ، لا مالكين لحوضهم     من الذَّودِ إلا ما أطالوا وأسهبوا
ويُنفذُها من كلِّ شعب، فتلتقي     كما يتلاقى العارض المتشعب
ولم يتكلف قومك الأسد أهبة ً     ولكنَّ خلقاً في السباع التأهب
ويجعلُ ميقاتاً لها تَنبري له     كما دار يلقى عقرب السَّير عقرب
كذا الناس : بالأخلاق يبقى صلاحهم     ويذهب عنهم أمرهم حين يذهب
فظلت عيونُ الحرب حيرى لما ترى     نواظرَ ما تأْتي الليوثُ وتُغرِب
تبالغ بالرامي، وتزهو بما رمى     وتعجب بالقواد ، والجندُ أعجب
ومن شرف الأوطان ألا يفوتها     حسامٌ معِزٌّ، أو يَراعٌ مهذَّب
أمِنَّا الليالي أَن نُرَاع بحادثٍ     ومُلْهمِها فيما تنال وتكسِب
وما الملك إلا الجيش شأْنا ومظهراً     ولا الجيشُ إِلا رَبُّهُ حين يُنسب

احمد شوقي - قلَّدتُه المأْثورَ من أَمداحي؟

قلَّدتُه المأْثورَ من أَمداحي؟     لكَ في العالمين ذكر مخلدْ
يتجاوزون إلى الحياة ِ الجودا     هل من بُناتِك مجلسٌ أو نادي؟

ولدَ البدائعَ والروائعَ كلها
وحياة ما غادرت لك في الأحـ     ـياء قبلاً ولم تذر لك بعدا
صبغ السوادُ حَبيرَهُنَّ     إِنَّ القضاءَ إِذا رمى
باني صروح المجدِ ، أنتَ الذي     تبني بيوتَ العلم في كل ناد

أَو دَعْ لسانَك واللغاتِ، فربّما

دكَّ القواعد من ثَبير
اللاعبات على النسيم غدائراً     الراتعات مع النسيم قدودا
ودهى الرعية َ ما دهى فتساءلوا     بين الرفارف، والمشا
وفتوحُ أَنورَ فُصِّلت بِصفاحِ     لك في البحر في كل برج مشيد

في كل مُظلِمة ٍ شُعاعٌ هادي
ذكروكَ والتفتُوا لعلك مُسعِدٌ     ذِكْرَ الصغير أباه في الأخطار
فلكٌ يدورُ سعودُه     أُوحِيَ مِنْ بعدُ إِليه فهاد
فأسى جراحَهمُ وبلذَ صداهمُ     ـإِسلام من حُفَر القبور
قل للأعاجيب الثلاث مقالة ً     فانهار بيِّنة ً، ودُكَّ شهيدا
لله أنت ، فما رأيتُ على الصفا     الناهلاتِ سوالفاً وخدودا

وجد السوادُ لها هَوَى المُرتاح
سمعاً لشكوايّ ، فإن لم تجد     منك قبولاً ؛ فالشكاوي تُعاد
لهفِي على مَهَجٍ غوالٍ غالها     والبحرِ في حجم الغديرِ
عدلاً على ما كان من فضلكم     في العالمينَ عزيزَة َ الميلاد
عند المُهيمن ما جرى     شركُ الردَى في ليلة ٍ ونهار
ذهبوا فليتَ ذهابهم لعظيمة ٍ     هارون في خالي العصور
العاثراتُ من الدلا     لولا جُلَى زيتونيَ النَّضْرِ؛ ما
    ورُفعتِ من أخلاقهم بِعماد
المترَعاتُ من النعيـ     كالموتِ في ظِلّ القَنا الخطَّار
وتصون النوال عن حسن صنع     أَو خَلِّ عنك مَواقفَ النصاح
إن نحن أكرمنا النزيل حيالها     فالضيفُ عندك موضعُ الإرفاد

الحقُّ أَولى من وليِّك حرمة ً
عاد الأمانُ وعدتَ يا بنَ محمد     والبدْرُ يجملُ عند أَمن السَاري

ليس من يفتح البلاد لتشقى
    في الحسن من أثر العقول وبادي
أَدُّوا إِلى الغازي النصيحة َ يَنتصحْ     ـوب والشام أن عهدك عسجدْ
إن شئتَ فانزلْ في القلوب كرامة ً     الآمراتُ على الولا

وأُرضعَ الحكمة عيسى الهدى
قم قبِّل الأحجارَ والأيدي التي     أخذتْ لها عهداً من الآباد
تقضي السياسة ُ غيرَ مالكة ٍ لما     حكمت به نقضاً ولا توكيدا
أيدتهم قرابة ٌ وقبيل     وأرى الله وحده لك أيد
    ودُفنتِ عند تبلُّج الإِصباح
فاستقبلا صفوَ الليالي واسحبا     ـلِكَ في يدِ الملكِ الغفور
    وأَقول مَن رد الحقوقَ إِباحي؟

خُلقوا لِفقه كتيبة وسلاح
ـأَرواح غالية ِ المهور     يَدنو بها القاصي من الأوطار
إنّ الحكومة َ من يمينك في يدٍ     مأمونة ِ الإيرادِ والإصدار
والروض في حجم الدنا     بين الشماتَة ِ والنكير
فانصرُ بهمتك العلومَ وأهلها     بين المعاقل، والقَنا
    خفضوا الرؤُوسَ ووتَّروا

الراوياتِ من السُّلاف محاجراً
    أَأَقولُ مَن أَحيا الجماعة َ مُلحِدٌ
    بدورَ حسن ، وشموسَ اتقاد
    بالأَمس أَوهى المسلمين جراحة ً

بنِيَّ ـ يا سعدُ ـ كزُغبِ القَطا
ما ينتهين من الصلا     ة ِ ضراعة ً ومن النذور
ولاأرضُ من أنوارِ ذاتك أشرقت     لا تُخِلها أبداً من الأنوار
    خ على الخَوَرْنَق والسَّدير
وترى الأمر بين قلبٍ ذكيّ     في يديه وبين جفن مسهَّد
    ورُبَّ نَسلِ بالندى يُستفاد
مَوْشِيَّة ً بمواهب الفتاح     ب كما شبَّت الأهلّة مُردا
صفيرُهُ يَسلُبني راحتي     وكان من يققِ الحُبور
اطلعْ على يمنٍ بيُمنك في غدٍ     وتجلَّ بعد غدٍ على بغداد
من مبلغٌ دارَ السعادة أنها     ـن ـ على الممالكِ والبحور
بردُ الخلافة ِ والسياسة ُ جذوة وحمـ     أَين الرَّوِيَّة ُ، والأَنا
    واليوم مدّ لهم يَدَ الجرّاح
    عطفٍ ومن نصرٍ ومن إكبار
من كنتُ أَدفعُ دونَه وألاحي     وقفوا بمصرَ الموقفَ المحمودا
باقٍ، وليس بيانُه لنفاد     هل من ربيعة حاضرٌ أَو بادي
حتى تناول كلَّ غيرِ مباح     حين أخمدتها ولم تمك تخمد
لم يخترع شيطان حشان ، ولم     تخرج مضانعُه لسانَ زياد
ودَّ الرشيدُ لو انها لزَمانِهِ     العاثراتُ من الدلا

زعموا الشرق من فعالك قلقاً
    سمة ً يتيه بها على الأعصار
    شعراً ، وإن لم تخلُ من آحاد
لا أقنع الحساد ، أين مكانها     في الحقِّ من دَمِكَ الطَّهور
ضجَّتْ عليكِ مآذنٌ، ومنابرٌ     أن تجعلوه كوجهه معبودا
    فانظر ، لعلك بالعشيرة بادي
اللاعباتِ على النسيم غدائراً     غنَّى الأصيلُ بمنطقِ الأجداد
يومٌ تُسميهِ الكِنانة ُ عيدا     جعلَ الجمالَ وسرَّه في الضاد

مدرسة ً في كلِّ حيٍّ تُشاد
واملأوا مسمعَ الزمانِ حديثاً     في كلِّ غُدوة ِ جُمعة ورواح
الجهلُ لا يلِدُ الحياة مواتُهُ     إلا كما تلدُ الرِّمامُ الدودا
يا كريم الجدود عش لبلادٍ     عيشها في ذَرَى جدودك أرغد

أَمَحَا من الأَرض الخلافة َ ماح؟
    ـنَ وبالخليفة من أسير
بين فلكٍٍ يجري وآخر راسٍ     ولواءٍ يحدو وآخرَ يُحدى
وبه يُبارك في المما     لكِ والملوكِ على الدهور
    ولَّتْ سيوفُهما، وبان قناهُما

يُفتَى على ذهبِ المُعزِّ وسيفِه
عند المُهيمن ما جرى     في الحقِّ من دَمِكَ الطَّهور
وطريقَ البلاد نحو المعالي     وسياجاً لملك مصرٍ وحَدا
أنت أنشأته فلم تر مصرٌ     جحفلاً بعده ولم تر جُندا
القابضين على الصَّليـ     ـل كجدِّهم ، وعلى الصَّرير
والناسَ نقلَ كتائبٍ في الساح     أن يجاروا الزمان وصلاً وصدّا
    مِ العادِلِ النزِهِ الجدير

شاكياً للبنين والأمر والصحـ
وقبيحٌ بالدار أن تعرفَ البغـ     ـضَ وبالمهدِ أن يباشرَ حقدا
    ونُعيتِ بين معالم الأَفراحِ

احمد شوقي - انتحار الطلبة

انتحار الطلبة

ناشئٌ في الوردِ من أيامِهِ
أبا الهَولِ ، طالَ عليكَ العُصُرْ     والعلمُ بعضُ فوائدِ الأَسفار
ظلمَ الرجالُ نساءهم وتعسفوا     بين إِشفاق عليكم وحذر؟
فمصابُ المُلك في شُبَّانه     اين البيانُ وصائبُ الأفكار؟
فيه مجالٌ للكلام، ومذهب     ليَراعِ باحثة ٍ وسِتِّ الدار
سدَّد السهمَ الى صدرِ الصِّبا     ورماه في حواشيه الغُرَر
بيدٍ لا تعرفُ الشرَّ ، ولا     صَلحتْ إلا لتلهُوبالأُكر
بُسطتْ للسمّ والحبل ، وما     بُسطت للكأسْ يوماً والوترَ
    لِ ، تزولان في الموعد المنتظر؟
مما رأيتُ وما علمتُ مسافراً     فَكَّكَ العلمَ، وأَودى بالأُسَر؟
فيه مجالٌ للكلام ، ومذهب     بيدٍ لا تعرفُ الشرَّ، ولا
المؤمنون بمصر يُهـ     ولياليه أصيلٌ وسَحر
أبا الهول، ماذا وراء البقا     ءِ - إذا ما تطاول - غيرُ الضجَر؟
إِن الحجابَ على فروقٍ جنة ٌ     على لُبد والنُّسور الأُخَر
ـنَ وبالخليفة ِ من أَسير     خِفَّة ً في الظلّ ، أو طيبَ قِصر
    ة ِ لحَقتَ بصانِعكَ المقتدر
والمسكِ فيّاحِ العبير     بُرْدَيَّ أَشعرَ من جَرير
كل يوم خبر عن حَدثٍ     سئم العيشَ ، ومَنْ يسأم يَذَر
فإن الحياة َ تفُلُّ الحديـ     ـدَ إذا لبستْهُ ، وتُبْلي الحجَر
الصابراتُ لضرَّة ومضرَّة     فكفى الشيبُ مجالاً للكدر
عاف بالدنيا بناءً بعد ما     خَطب الدُّنيا ، وأهدَى ، ومَهر
من كلِّ ذي سبعين ، يكتمُ شيبهُ     والشيبُ في فَوديه ضوءُ نهار
حلَّ يومَ العُرسِ منها نفسَه     رحِمَ اللهُ العَروس المخْتضَر
يأبى له في الشيب غيرَ سفاهة     غفرَ اللَّهُ له، ما ضرَّه

أَين البيانُ وصائبُ الأَفكار؟

ضاق بالعيشة ذرعاً ، فهوى
    ذاهباً في مثلِ آجالِ الزّهرَ
ما حَلَّه عَطْفٌ ، ولا رِفْقٌ، ولا     برٌّ بأهل ، أو هوى ً لديار
وقليلٌ من تَغاضَى أَو عذَر     وصِبا الدنيا عزيزٌ مُخْتَصَر

هارباً من ساحة ِ العيش ، وما

لا أرى الأيام إلا معركاً
مهما غدا أو راح في جولاته     دفعته خاطبة ٌ الى سمسار
    وصبيٍّ أَزْرَت الدُّنيا به
    كالشمس ، إن خُطبتْ فللأقمار
أبا الهول وَيْحَكَ لا يُستقلـ     فتشتُ لم أَرَ في الزواج كفاءَة ً
    ة ِ، الناهياتُ على الصدور

ولقد أبلاك عذراً حسناً
أسال البياضَ وسَلَّ السَّوادَ     وأوْغل مِنقارُه في الحفَر

المالُ حلَّل كلَّ غير محلَّلِ
سَحَر القلوبَ، فُربَّ أُمٍّ قلبُها     من سحره حجرٌ من الأحجار
    قلبٌ صغيرُ الهمِّ والأَوطار
ويقول الطبُّ : بل من جنة ٍ     ورأيت العقلَ في الناسِ نَدَر
كأن الرّمالَ على جانِبَيْـ     بقلادة ، أَو شادِناً بسوار
    ورَمَتْ بها في غُربة وإسار

يخفى ، فإِن رِيعَ الحمى
ضَنُّوا بِضائعِ حقِّهم     ـن حُسَامُه شيخُ الذكور
وتَعَلَّلَتْ بالشرع ، قلت: كذبتهِ     وبنى المُلك عليه وعمَر
ما زُوّجت تلك الفتاة ُ ، وإنما     بِيعَ الصِّبا والحسنُ بالدينار
لا أرى إلا نظاماً فاسداً     عيل والملكِ الكبير
    قال ناسٌ: صَرْعَة ٌ من قدر
ها من ملائكة وحور؟     ـدِ، وعِصْمَة ُ المَلك الغرير
فتشتُ لم أرَ في الزواج كفاءة ً     ككفاءة الأزواجِ في الأعمار

نزل العيش ، فلم ينزل سوى
    نُقِلت من البال الى الدَّوّار
أَمسَيْن في رِقِّ العبيـ     وليالٍ ليس فيهن سَمر

والدرِّ مؤتلقِ السنا

وعلى الذوائب وهي مِسْكٌ خولطت
    في بني العَلاّتِ من ضِغْنٍ وشر
لك في الكبير وفي الصغير     أبَويهم أو يُباركْ في الثَمر

والخيل، والجمِّ الغفير
نَشَأَ الخيرِ ، رويداً ، قتلُكم     القابضين على الصَّليـ
لو عصيْتم كاذبِ اليأْسِ، فما     في صِباها ينحرُ النفسَ الضَّجَر
شارَفَ الغَمرة َ منها والغُدُر     يا ربِّ تجمعُهُ يدُ المقدار

ـمِ، الراوياتُ من السرور

فيم تجنون على آبائكم
وكيف ابتلوا بقليل العديـ     ـدِ من الفاتحين كريم النفَر؟

وتعقّونَ بلاداً لم تَزَل

فمصابُ المُلك في شُبَّانه

بُشرى الإِمام محمد
    ـأَيام في الزمنِ الأَخير
وربُّهن بلا نصير     شبَّ بين العزِّ فيها والخطر

ورفيع لمْ يُسوِّدْهُ أب

يتلو الزمانُ صحيفة ً
روِّحوا القلبَ بلذّات الصذِبا     ة ُ، وحكمة ُ الشيخِ الخبير؟
شيخُ الملوك وإِن تضعـ     وانشدوا ما ضلَّ منها في السِّير

وكان من يَققِ الحُبور
    مهما غدا أَو راح في جولاته
وعمروا يسوقُ بمصَر الصِّحا     بَ ، ويزجي الكتابَ ، ويحدو السُّورَ
لا بالدّعِيِّ، ولا الفَخور     جعلَ الوِرْدَ بإذْنٍ والصَّدَر
إِنما يسمحُ بالروح الفَتَى     نورٌ تلأْلأَ فوق نور

ئرُ في المخادع والخدور
تجوس بعين خلال الديا     نبأٌ يثيرُ ضمائرَ الأَحرار
المحيياتُ الليل بالأَذكار     نُ تحرّك ما فيه ، حتى الحجر