Pages

Wednesday, January 9, 2013

احمد شوقي - رزق الله أهلَ باريسَ خيراً

رزق الله أهلَ باريسَ خيراً     وأَرى العقلَ خيرَ ما رُزِقوه
عندهم للثنار والزّهر ممّا     تُنجِب الأَرضُ مَعْرِضٌ نَسقوه
جنَّة ٌ تَخلِب العقولَ، وروضٌ     تجمع العينُ منه ما فرقوه
من رآه يقول: قد حُرموا الفر     دوسَ، لكنْ بسحرهم سرقوه
ما ترى الكَرْم قد تشاكلَ، حتى     لو رآه السُّقاة ُ ما حقَّقوه
يُسْكِرُ الناظرين كَرْماً، ولمَّا     تَعْتَصِرْهُ يَدٌ، ولا عتَّقوه
صوروه كما تشاءُون ، حتى     عَجبَ الناسُ : كيفَ لم يُنطِقُوه؟
يجدُ المتَّقي يد الله فيه     ويقول الجَحودُ : قد خَلَقوه

احمد شوقي - لنا صاحبٌ قد مُسَّ إلا بقيَّة

لنا صاحبٌ قد مُسَّ إلا بقيَّة     فليس بمجنون، وليس بعاقل
له قَدَمٌ لا تستقرُّ بموضع     كما يتنزَّى في الحصى غيرُ ناعل
إذا ما بدا في مجلسٍ ظُنَّ حافلاً     من الصَّخب العالي ، وليس بحافل
ويُمطرنا من لفظِه كلَّ جامدٍ     ويُمطرنا من رَيْلِه شرَّ سائل
ويُلقي على السُّمار كفّاً دِعابُها     كعَضَّة ِ بَرْدٍ في نواحي المفاصل

احمد شوقي - محجوبُ ، إن جئتَ الحجا

محجوبُ ، إن جئتَ الحجا     زَ ، وفي جوانحك الهوى له
شوقاً، وحباً بالرسو     ل، وآلهِ أَزكى سُلاله
فلَمحتَ نضرة َ بانِه     وشممتَ كالرَّيحان ضالَه
وعلى العتيق مشيتَ تنـ     ـظر فيه دمعَك وانهماله
ومضى السُّرى بك حيثُ كا     ن الروحُ يسري والرِّساله
وبلغتَ بيتاً بالحجا     ز، يُبارك الباري حِياله
ويؤدي كما وعَاهُ الكلاما
اللهُ فيه جلا الحرا     مَ لخلقه، وجلا حلاله
فهناك طِبُّ الروحِ، طِـ     ـبُّ العالمين من الجهاله
وهناكَ أطلالُ الفَصَا     حة ِ ، والبلاغة ِ ، والنَّباله
وهناك أزكى مسجدٍ     أَزكى البريَّة قد مشى له
وهناك عُذريُّ الهوى     وحديثُ قَيْسٍ والغزاله
وأَدارَ الردَى على القوم جامَه     مِثلما جاملوا الملوكَ العِظاما
وهناك مُجري الخيل ، ويجري     في أَعنتها خياله
وهناك مَنْ جمعَ السماحة     والرجاحة ، والبسالة
وهناك خيَّمت النُّهى     والعلمُ قد أَلقى رِحاله
وهناك سرحُ حضارة ٍ     اللهُ فيَّأنا ظِلالَه
إنّ الحسينَ بنَ الحسـ     ـينِ أَميرَ مَكَّة َ والإياله
قمرُ الحجيج إذا بدا     دارُ الحجيج عليه هاله
أنتَ العليلُ ، فلُذ به     مُستشفياً، واغْنم نَواله
لا طِبَّ إلا جَدُّه     شافي العقولِ من الضَّلاله
قبِّل ثراه ، وقُل له     شوقي إليك على النَّوى
أَنا يا بنَ أَحمدَ بعدَ مَدْ     حي في أَبيك بخير حاله
أنا في حِمَى الهادي أبيـ     ـك ، أُحبُّهُ ، وأُجلُّ آله
شوقُ الضرير إلى الغزاله
يا بنَ الملوك الراشديـ     ـن، الصالحين، أُولِي العَداله
إن كان بالملك الجلا     لة ُ ، فالنبيُّ لكم جلاله
أَوَليس جدُّكمُ الذي     بلغَ الوجودُ به كماله؟

احمد شوقي - أنْدَلُسِيَّة ٌ

يا نائح ( الطلح ) أشباه عوادينا     نشجى لواديك أم نأسى لوادينا ؟
ماذا تقص علينا غير أن يــدا     قصت جناحك جالت فى حواشينا
رمى بنا البين أيكا غير سامرنا     أخـا الغريب : وظلا غير نادينا
كل رمته النوى ريش الفراق لنا     سهماً ، وسل عليك البين سكينا
إذا دعا الشوق لم نبرح بمنصدع     مـن الجناحين عي لا يلبينــا
فإن يك الجنس يابن الطلح فرقنا     إن المصائب يجمعن المصابينـا
لــم تأل ماءك تحنانا ولا ظلماً     ولا أدكارا ، ولا شجوا أفانينــا
تجـر من فنن ساقا إلى فنــن     وتسحـب الذى ترتاد المؤاسينـا
أساة جسمك شتى حين تطلبـهم     فمن لروحك بالنطس المداوينـا
آهــا لنا نازحى إيك بأندلـس     وإن حللنا رفيـفاً من روابينــا
رسم وقفنا على رسم الوفاء لـه     نجيش بالدمع ، والإجلال يثنينـا
لفتيـه لا تنـال الأرض أدمعهم     ولا مفارقــهم إلا مصلينـــا
لـو لـم يسودا بدين فيه منبهة     للناس كانت لهم أخلاقهم دينــا
لم نسر من حرم إلا إلى حـرم     كالخمر من (بابل) سارت (لدارينا)
لما نبا الخلد نابت عنه نسختـه     تماثل الورد (خيريا) و (نسرينـا)
نسقى ثراهم ثناء ، كلما نثـرت     دموعنـا نظمت منها مراثينــا
كادت عيون قوافينا تحركـــه     وكدن يوقظن فى الترب السلاطينا
لكن مصر وإن أغضت على مقة     عيـن من الخلد بالكافور تسقينـا
علـى جوانبها رفت تمانمنــا     وحول حافاتـها قامت رواقينــا
ملاعـب مرحت فيها مآربنـا     وأربع أنسـت فيها أمانينــــا
ومطلع لسعود من أواخرنــا     ومغـرب لجدود من أوالينـــا
بنا فلم نخل من روح يراوحنـا     من بر مصر وريحان يغادينــا
كأم موسى على أسم الله تكفلنا     وباسمه ذهبت فى اليم تلقينــا
ومصر كالكرم ذى الإحسان فاكهة     للحاضرين وأكواب لبادينــــا
يا سارى البرق يرمى عن جوانحنا     بعد الهدوء ويهمى عن مآقينــا
لما ترقرق فى دمع عن جوانحنا     هاج البكا فخضبنا الأرض باكينــا
الليـــل يشهد لم تهتك دياجيه     على نيـام ولـم تهتف بسالينـــا
والنجـم لم يرنا إلا على قــدم     قيــام ليل الهوى للعهد راعينــا
كزفرة فى سماء الليل حائــرة     ممــا نردد فيه حين يضوينــا
بالله إن جبت ظلماء العباب على     نجانب النور محدوا ( بجــرينا )
تــرد عنك يداه كل عاديــة     إنسـاً يعثن فساداً أو شياطينــا
حتى حوتك سماء النيل عاليـة     على الغيوث وإن كانت ميامينـا
وأحرزتك شفوف اللازورد على     وشى الزبرجد من أفواف وادينـا
وحازك الريف أرجاء مؤرجـه     ربـت خمائل واهتزت بساتينـا
فقف إلى النيل وأهتف فى خمائله     وأنزل كما نزل الطل الرياحينا
وأس مـابات يذوى من منازلنا     بالحادثات ويضوى من مغانينـا
ويا معطرة الوادى سرت سحـراً     فطاب كل طروح من مرامينـا
ذكيـة لذيل لو خلنا غلالتهــا     قميص يوسف لم نحسب مغالينا
اجشمت شوك السرى حتى أتيت لنا     بالورد كتباً وبالربا عناوينـــا
فلو جزيناك بالأرواح غاليـة عن     طيب مسراك لم تنهض جوازينا
هـل من ذويك مسكى نحملــه     غرائـب الشوق وشيا من أمالينا
إلـى الذى وجدنـا ود غيرهـم     دنيـا وودهمو الصافى هو الدينا
يا من نغار عليهم من ضمائرنا     ومن مصون هواهم فى تناجينـا
ناب الحنين إليكم فى خواطرنا     عن الدلال عليكم فى أمانينــا
جئنا الى الصبر ندعوه كعادتنا     فى النائبات فلم يأخذ بأيدينــا
وما غلبنا على دمع ولا جـلد     حتى أتتنا نواكم من صياصينـا
ونابغـى كان الحشر آخـره     تميتنـا فيه ذكراكم وتحيينــا
نطوى دجاه بجرح من فراقكمو     يكاد فى غلس الأسحار يطوينا
إذا رسى النجم لم ترفأ محاجرنا     حتى يزول ، ولم تهدأ تراقينـا
بتنا نقاسى الدواهى من كواكبه     حتى قعدنا بها : حسرى تقاسينا
يبــدو النهار فيخفيه تجلدنـا     للشامتتين ويأسوه تأسينـــا
سقيا لعهد كأكناف الربى رفـة     أنا ذهبنا وأعطاف الصبا لينـا
إذا الزمان بنا غيناء زاهيــة     ترف أوقاتنا فيها رياحينـــا
الوصل صافية ، والعيش ناغية     والسعد حاشية ، والدهر ماشينا
والشمس تختال فى العقيان تحسبها     ( بلقيس ) ترفل فى وشى اليمانينا
والنيل يقبل كالدنيا إذا احتفلـــت     لو كان فيها وفاء للمصافينـــا
والسعد لو دام ، والنعمى لو اطردت     والسيل لو عف ، والمقدار لو دينا
ألقى على الأرض حتى ردها ذهبـا     ماء لمسنا به الإكسير أو طينــا
أعداه من يمنه ( التابوت ) وارتسمت     على جوانبه الأنوار من سينــا
لـه مبالغ ما فى الخلق من كــرم     عهد الكـرام وميثاق الوفيينــا
لـم يجر للدهر اعذار ولا عـرس     إلا بأيامنــا أو فى ليالينـــا
ولا حوى السعد اطغى فى أعنته     منا جيادا ولا أرخي ميادينـــا
نحن اليواقيت خاض النار جوهرنا     ولم يهن بيد التشتيت غالينـــا
ولا يحــول لنا صبغ ولا خلـق     اذا تلون كالحرباء شانينــــا
لم تنزل الشمس ميزانا ولا صعدت     فى ملكها الضخ عرشا مثل وادينا
ألم تؤله على حافاتــــه ورأت     عليـه أبناءها الغر الميامينــا ؟
إن غازلت شاطئيه فى الضحي لبسا     خمائل السندس الموشية الغينــا
وبات كل مجاج الواد من شجــر     لوافظ القز بالخيطان ترمينـــا
وهذه الأرض من سهل ومن جبل     قبل (القياصر) دناها (فراعينــا)
ولم يضع حجرا بان على حجـر     فى الأرض إلا علي آثار بانينــا
كأن أهرام مصر حائط نهضـت     به يد الدهر لا بنيان فانينــــا
إيوانه الفخم من عليا مقاصــره     يفني الملوك ولا يبقي الأوانينـا
كأنها ورمالا حولها التطمـــت     سفينة غرقت إلا أساطينــــا
كأنها تحت لألأ الضحى ذهبـــا     كنوز (فرعون) غطين الموازينـا
أرض الأبوة والميلاد طيبهــا     مر الصبا من ذيول من تصابينـا
كانت محجلة ، فيها مواقفنـــا     غرا مسلسلة المجرى قواقينـــا
فآب من كره الأيام لاعبنـــا     وثاب من سنة الأحلام لاهينـــا
ولم ندع لليالي صافيا ، دعـت     (بأن نعص فقال الدهر :آمينــا)
لو استطعنا لخضنا الجو صاعقة     والبر نار وغي ،والبحر غسلينـا
سعيا إلى مصر نقضى حق ذاكرنا     فيها إذا نسي الوافي وباكينـــا
كنز(بحلوان) عند الله نطلبـــه     خير الودائع من خير المؤدينــا
لو غاب كل عزيز عنه غيبتنـا     لم يأته الشوق إلا من نواحينــا
إذا حملنا لمصر أوله شجنــا     لم ندر أي هوى الأمين شاجينـا

احمد شوقي - بالوَرْدِ كُتْباً، وبالرَيَّا عناوينا

بالوَرْدِ كُتْباً، وبالرَيَّا عناوينا

رأيت على لوحِ الخيال يتيمة ً     قضى يومَ لوسيتانيا أَبَواها
فيا لك من حاكٍ أمين مُصدَّقٍ     وإن هاج للنفس البُكا وشجاها
ولا أُمَّ يَبغي ظِلَّها وذَراها     وقُوِّضَ رُكْناها، وذَلَّ صِباها
زكم قد جاهد الحيوانُ فيه     وخلَّف في الهزيمة حافريه
وليت الذي قاست من الموت ساعة     كما راح يطوي الوالدين طواها
كفَرْخٍ رمى الرامي أَباهُ فغالهُ     فقامت إليه أمُّهُ فرماها
فلا أبَ يستذري بظلّ جناحِه

ودبَّابة ٍ تحتَ العُباب بمَكمَنٍ     أمينٍ ، ترى الساري وليس يَراها
هي الحوتُ، أَو في الحوت منها مَشابِهٌ     فيها إذا نَسِيَ الوافي، وباكِينا
أبثُُّ لأصحابِ السُّفين غوائلا     وأَربُعٌ أَنِسَتْ فيها أَمانينا
خؤونٌ إذا غاصتْ، غدورٌ، إذا طَفت     ملعَّنة ٌ في سحبها وسُراها
فآبَ مِنْ كُرَة ِ الأَيامِ لاعِبُنا     وتَجني على من لا يخوض رَحاها
فلو أَدركت تابوت موسى لسَلَّطتْ     عليه زُباناها ، وحرَّ حُماها
وغاية ُ أمرهِ أنّا سمعنا     لسان الحال يُنشدنا لديه
ولو لم تُغَيَّبْ فُلْكُ نُوحٍ وتحْتَجِبْ     لما كان بحرٌ ضمَّها وحواها
أليس من العجاب أن مثلي     يَرَى ما قلَّ مُمتِنعاً عليه؟
وأفٍّ على العالم الذي تدَّعونه     إذا كان في علم النفوس رَدَاها

احمد شوقي - إلى حسين حاكمِ القنالِ

إلى حسين حاكمِ القنالِ     مثالِ الخلُق في الرِّجال
أُهدِي سلاماً طيّباً كخُلْقِه     مع احترامٍ هو بعضُ حَقِّه
وأحفظ العهدَ له على النَّوَى     والصدقَ في الودّ له وفي الهوى
وبعدُ فالمعروفُ بين الصَّحبِ     أنّ التهادي من دواعي الحبِّ
وعندك الزّهرُ، وعندي الشِّعرُ     كلاهما فيما يقال نَدْرُ
وقد سَمعتُ عنك من ثِقاتِ     أَنك أَنتَ مَلِكُ النباتِ
زهرُك ليس للزهور رَوْنَقُه     تكاد في فرطِ اعتناءٍ تَخلُقه
ما نظرتْ مثلَكَ عينُ النرجسِ     بعد ملوك الظرف في الأَندلسِ
ولي من الحدائق الغنَّاءِ     رَوْضٌ على المطْرِيَّة ِ الفيْحاءِ
أتيتُ أستهدي لها وأسأَلُ     وأرتضي النَّزْر أثَقِّلُ
عشرَ شُجيراتٍ من الغولى     تَندُر إلاَّ في رياض الوالي
تزكو وتزهو في الشتا والصيف     وتجمع الألوان مثلَ الطْيف
تُرسلها مؤمّناً عليها     إن هَلَكْت لي الحقُّ في مِثْليْها
والحق في الخرطوم أَيضاً حقِّي     والدرسُ للخادم كيف يسقي
وبعد هذا لي عليك زروهء     لكي تدور حول روضِي دوْرهْ
فإن فعلت فالقوافي تفعلُ     ما هو من فعل الزهور أَجملُ
فما رأَيتُ في حياتي أَزْينا     للمرء بين الناس من حُسْنِ الثَّنَا

احمد شوقي - سُوَيْجعَ النيلِ، رفقاً ، بالسُّوَيْداءِ

سُوَيْجعَ النيلِ، رفقاً ، بالسُّوَيْداءِ     فما تُطيق أَنينَ المفردِ النائي
لله وادٍ كما يَهْوَى الهوى عَجَبٌ     تركتَ كلَّ خَليٍّ فيه ذا داء
وأَنتَ في الأَسْرِ تشكو ما تُكابده     لصخرة ٍ من بني الأَعجام صَمَّاء
الله في فَنَن تلهو الزمانَ به     فإنَّما هو مشدودٌ بأَحشائي
وفي جوانحك اللاَّتي سمحْت بها     فلو ترفَّقْت لم تسمح بأَعضائي
ماذا تريد بذي الأناتِ في سهري؟     هذي جفوني تسقِي عهدَ إغفائي
حَسْبُ المضاجعِ مني ما تعالج من     جَنْبي، ومن كبدٍ في الجنْب حَرّاء
أُمْسِي وأُصْبِحُ مِنْ نَجْواك في كَلَفٍ     حتى ليَعْشَقُ نُطقي فيك إصغائي
الليلُ يُنِهضني من حيث يُقعدني     والنجمُ يَملأُلي، والفكُر صَهبائي
آتي الكواكبَ لم أَنقل لها قَدَماً     لا ينقضي سهري فيها وإسرائي
وأَلحظُ الأَرضَ، أَطْوِي ما يكون إلى     ما كان مِنْ آدمٍ فيها وحَوّاء
مُؤيَّداً بك في حِلّي ومُرْتَحَلي     وما هُما غيرُ إصباحي وإمسائي
تُوحي إليّ الذي تُوحِي، وتسمع لي     وفي سماعك بعد الوحي إغرائي

احمد شوقي - منكَ يا هاجرُ دائي

منكَ يا هاجرُ دائي     وبكفَّيْكَ دَوائي
يا مُنَى روحي، ودنيا     يَ، وسُؤْلي، ورجائي
أَنت إن شئتَ نعيمي     وإذا شئتَ شقائي
ليس مِنْ عُمرِيَ يومٌ     لا ترى فيه لِقائي
وحياتي في التَّداني     ومماتي في التَّنائي
نَمْ على نسيان سُهدي     فيك، واضحكْ من بُكائي
كلُّ ما ترضاه يا مَو     لايَ يرضاه وَلائي
وكما تعلم حُبِّي     وكما تدري وَفائي
فيك يا راحة روحي     طال بالوشي عَنائي
وتواريتُ بدمعي     عن عيون الرُّقَباءِ
أَنا أَهواكَ، ولا أَرْ     ضَى الهوى مِن شُركائي
غِرْتُ، حتى لَترى أَر     ضِيَ غَيْرَي من سمائي
ليتني كنتُ رِداءً     لك، أو كنت ردائي
ليتني ماؤك في الغُـ     ـلَّة ِ، أَو ليتك مائي

احمد شوقي - لقد لامني يا هندُ في الحب لائمٌ

لقد لامني يا هندُ في الحب لائمٌ     مُحِبٌّ إذا عُدَّ الصِّحابُ حبيبُ
فما هو بالواشي على مذهب الهوى     ولا هو في شَرع الوداد مُريب
وصفتُ له مَن أَنتِ، ثم جرى لنا     حديثٌ يَهُمُّ العاشقين عجيب
وقلت له: صبراً ؛ فكلُّ أَخي هَوى     على يَدِ مَنْ يهْوى غداً سيتوب

احمد شوقي - على قدرِ الهوى يأْتي العِتابُ

على قدرِ الهوى يأْتي العِتابُ     ومَنْ عاتبتُ يَفْديِه الصِّحابُ
ألوم معذِّبي ، فألومُ نفسي     فأُغضِبها ويرضيها العذاب
ولو أنَي استطعتُ لتبتُ عنه     ولكنْ كيف عن روحي المتاب؟
ولي قلب بأَن يهْوَى يُجَازَى     ومالِكُه بأن يَجْنِي يُثاب
ولو وُجد العِقابُ فعلتُ، لكن     نفارُ الظَّبي ليس له عِقاب
يلوم اللائمون وما رأَوْه     وقِدْماً ضاع في الناس الصُّواب
صَحَوْتُ، فأَنكر السُّلْوان قلبي     عليّ، وراجع الطَّرَب الشباب
كأن يد الغرامَِ زمامُ قلبي     فليس عليه دون هَوى ً حِجاب
كأَنَّ رواية َ الأَشواقِ عَوْدٌ     على بدءٍ وما كمل الكتاب
كأني والهوى أَخَوا مُدامٍ     لنا عهدٌ بها، ولنا اصطحاب
إذا ما اغتَضْتُ عن عشقٍ يعشق     أُعيدَ العهدُ، وامتد الشَّراب

احمد شوقي - أَريدُ سُلوَّكم، والقلبُ يأْبَى

أَريدُ سُلوَّكم، والقلبُ يأْبَى     وعتبكُم ، وملءُ النفس عُتْبى
وأَهجركم، فيهجرني رُقادي     ويُضوِيني الظلامُ أَسًى وكرْبا
واذكركم برؤية ِ كلِّ حُسْنٍ     فيصبو ناظري، والقلب أصبى
وأَشكو من عذابي في هواكم     وأَجزيكم عن التعذيبِ حُبّا
وأَعلمُ أَن دَأْبكُمُ جَفَائي     فما بالي جعلتُ الحبَّ دأْبا؟
ورُبَّ مُعاتِبٍ كالعيش ، يشكى     وملءُ النفس منه هَوًى وعُتْبى
أتَجزيني عن الزُّلْفَى نِفاراً؟     عَتَبَتكَ بالهوى ، وكفاك عَتبا
فكلّ ملاحة ٍ في الناس ذنبٌ     إذا عُدّ النِّفارُ عليكَ ذنبا
أخذتُ هواك عن عيني وقلبي     فعيني قد دَعَتْ، والقلبُ لَبّى
وأَنتَ من المحاسن في مِثال     فديتكَ قالَباً فيه وقَلْبا
أُحِبُّكَ حين تثني الجيدَ تِيهاً     وأَخشى أَن يصيرَ التِّيهُ دَأْبا
وقالوا : في البديل رضاً ورووحٌ     لقد رُمتُ البديلَ، فرمتُ صَعبا
وراجعتُ الرشادَ عَساي أَسلو     فما بالي مع السُّلوانِ أَصْبى ؟
إذا ما الكأْسُ لم تُذْهِبْ همومي     فقد تَبَّتْ يدُ الساقي، وتَبّا
على أَني أَعَفُّ من احتساها     وأَكرمُ مِنْ عَذَارَى الدير شربا
ولي نفسٌ أُورَيها فتزهو     كزهر الورد نَدَّوْهُ فهبَّا

احمد شوقي - رَوّعوه ؛ فتولَّى مغضِبا

رَوّعوه ؛ فتولَّى مغضِبا     أَعلِمتم كيف ترتاعُ الظِّبا؟
خُلِقت لاهِية ً ناعمة     رُبَّما رَوَّعها مرُّ الصَّبا
لي حبيبٌ كلَّما قيل له     صَدَّقَ القولَ ، وزكذَى الرِّيبا
كذاب العُذَالُ فيما زعمو     أَملي في فاتِني ما كذبا
لو رَأَوْنا والهوى ثالثُنا     والدُّجى يُرخي علينا الحُجُبا
في جِوار الليل، في ذمَّتِه     نذكر الصبحَ بأنَّ لا يقربا
مِلءُ بُرْدَينا عفافٌ وهوى     حفظ الحسنَ ، وصنتُ الأدبا
يا غزالاً أَهِلَ القلبُ به     قلبي السَّفْحُ وأَحْنى ملْعبا
لك ما أَحببت مِنْ حَبَّتِه     منَهلاً عذباً ، ومرعى ً طَيِّبا
هو عندَ المالِكِ الأوْلى َ به     كيفَ أشكو أنه قد سُلِبا؟
إن رأَى أَبْقَى على مملوكه     أَو رأى أتلفه واحتسبا
لكَ قدٌّ سجدَ البانُ له     وتمَّنت لو أقلَّتْه الرُّبى
ولِحاظٌ، من معاني سحره     جمع الجفنُ سهاماً وظُبى
كان عن هذا لقلبي غُنْيَة ٌ     ما لقلبي والهوى بعد الصِّبا؟
فِطرتي لا آخُذ القلبَ بها     خُلِقَ الشاعِرُ سَمحاً طَرِبا
لو جَلَوْا حُسْنَكَ أَو غَنَّوْا به     للبيدٍ في الثمانين صَبا
أيها النفسُ ، تجدّين سُدى ً     هل رأيتِ العيشَ إلا لَعِبا؟
جَرِّبي الدنيا تَهُنْ عندكِ، ما     أَهونَ الدنيا على من جرّبا!!
نلتِ فيما نِلْتِ من مَظهرها     ومُنِحْتِ الخلدَ ذكراً، ونَبَا

احمد شوقي - لا والقوامِ الَّذي ، والأَعينِ اللاتي

لا والقوامِ الَّذي ، والأَعينِ اللاتي     ما خُنْتُ رَبَّ القَنا والمُشْرَفيَّاتِ
ولا سلوتُ ، ولم أهممْ ، ولا خطرتْ     بالبالِ سَلْوَاكِ في ماضٍ ولا آت
وخاتَمُ الملكِ للحاجات مُطَّلَبٌ     وثَغْرُكِ المتمنَّى كلُّ حاجاتي

احمد شوقي - لحظها لَحظها، رُوَيْداً رُوَيْدا

لحظها لَحظها، رُوَيْداً رُوَيْدا     كم إلى كم تكيد للروح كيْدا؟
كفَّ أو لا تكفَّ ؛ إن يجبني     لَسِهاماً أَرْسَلْتَها لن تُرَدّا
تصِلُ الضربَ ما أَرى لك حداً     فاتّقِ الله، والتزِمْ لك حدَّا
أو فضع لي من الحجارة قلبا     ثم صُغ لي من الحدائدِ كِبْدا
واكفِ جَفْنَيَّ دافقاً ليس يرْقا     واكفِ جَنْبَيَّ خافقاً ليس يَهْدا
فمن الغَبْنِ أَن يصير وعيداً     ما قطعت الزمانَ أرجوه وعْدا

احمد شوقي - الرُّشْدُ أَجملُ سِيرة يا أَحمدُ

الرُّشْدُ أَجملُ سِيرة يا أَحمدُ     ودُّ الغواني مَنْ شبابكَ أبعدُ
قد كان فيك لودهنّ بقية ٌ     واليومَ أَوْشَكَتِ البقية ُ تَنْفَدُ
هاروت شعركَ بعد ماروتِ الصبا     أَعيا، وفارقه الخليلُ المُسعِد
لم سمعنكَ قلنَ : شعرٌ أمردٌ     يا ليت قائله الطَّيرُ الأمردُ
ما لِلَّوَاهي الناعماتِ وشاعرٍ     جعل النسيبَ حبالة ً يتصيد ؟
ولكم جمعت قلوبهن على الهوى     وخدعتَ منْ قطعتْ ومن تودد
وسَخِرْتَ من واشٍ، وكِدْتَ لعاذِلٍ     واليومَ تنشدُ من يشي ويفند
أَئذا وَجَدْت الغِيد أَلهاكَ الهوى     وإذا وجدت الشِّعْرَ عزَّ الأَغيد؟

احمد شوقي - إن الوُشاة َ ـ وإن لم أَحْصِهم عددا

إن الوُشاة َ ـ وإن لم أَحْصِهم عددا ـ     تعلموا الكيدَ من عينيك والفندا
لا أَخْلفَ الله ظنِّي في نواظرِهم     ماذا رأَتْ بِيَ ممّا يبعثُ الحسدا؟
هم أَغضبوكَ فراح القدُّ مُنْثَنياً     والجفنُ منكسراً ، والخدُّ متقدا
وصادغوا أذُنا صعواءَ لينة ً     فأسمعوها الذي لم يسمعوا أحدا
لولا احتراسيَ من عينَيْك قلتُ: أَلا     فانظر بعينيك، هل أَبقَيْت لي جَلَدَا؟
الله في مهجة ٍ أيتمتَ واحدَها     ظلماً ، وما اتخذتْ غير الهوى ولدا
ورُوحِ صبٍّ أَطالَ الحبُّ غُرْبَتَها     يخافُ إن رجعتْ أن تنكرَ الجسدَ
دع المواعيدَ ؛ إني مِتُّ مِنْ ظمإِ     وللمواعيد ماءٌ لا يَبُلُّ صَدى
تدعو ، ومَنْ لي أن أسعى بلا كبدٍ ؟     فمن معيريَ من هذا الورى كبدا ؟

احمد شوقي - يمدُّ الدُّجى في لوعتي ويزيدُ

يمدُّ الدُّجى في لوعتي ويزيدُ     ويُبدِىء ُ بَثِّي في الهوى ويُعيدُ
إذا طال واستعصى فما هي ليلة     ولكنْ ليالٍ ما لهنّ عَدِيدُ
أَرِقْتُ وعادتني لذكرى أَحِبَّتي     شجونٌ قيامٌ بالضلوع قعودُ
ومَنْ يَحْمِلِ الأَشواقَ يتعَب، ويَختلفْ     عليهِ قديمٌ في الهوى ، وجديد
لقيت الذي لم يلق قلبٌ من الهوى     لك الله يا قلبي ، أأنت حديد؟
لم أَخْلُ من وجْدٍ عليك، ورِقَّة ٍ     إذا حلَّ غِيدٌ، أَو ترحَّل غِيدُ
وروضٍ كما شاء المحبون ، ظلهُ     لهم ولأسرار الغرام مديدُ
تظللنا والطيرَ في جنباتِه     غصونٌ قيامٌ للنسيم سجود
تمِيل إلى مُضْنَى الغرامِ وتارة ً     يعارضها مُضْنَى الصَّبا فتَحيد
مَشَى في حوَاشيها الأَصيلُ، فذُهِّبَتْ     ومارتْ عليها الحلْيُ وهْيَ تَميد
ويَقْتُلنا لَحْظٌ، ويأْسِر جِيدُ     بأهلٍ ، ومفقودُ الأليفِ وَحيد
وباكٍ ولا دمعٌ، وشاكٍ ولا جوى ً     وجذلانُ يشدو في الرُّبَي ويشيد
وذي كبْرَة ٍ لم يُعْطَ بالدهر خِبْرَة ً     وعُرْيان كاسٍ تَزْدَهيه مُهود
غشيناه والأيامُ تندى شبيبة ً     ويَقْطُر منها العيشُ وهْوَ رَغيد
رأَتْ شفقاً يَنْعى النهارَ مُضَرَّجاً     فقلتُ لها: حتى النهارُ شَهيد
فقالت : وما بالطير ؟ قلت : سكينة ٌ     فما هي ممّا نبتغي ونَصيد
أُحِلَّ لنا الصيدان: يومَ الهوى مَهاً     ويومَ تُسَلُّ المُرْهَفاتُ أُسودُ
يحطِّم رمحٌ دوننا ومهندٌ     ويقلنا لحظٌ ، ويأسر جيدُ
ونحكم حتى يقبلَ الدهرُ حُكْمَنا     ونحن لسلطان الغرام عبيد
أقول لأيام الصبا كلما نأتْ :     أما لكَ يا عهدَ الشباب مُعيد؟
وكيف نأَتْ والأَمسُ آخرُ عهدِها؟     لأمسُ كباقي الغابرات عهيد
جزعتُ ، فراعتني من الشيبِ بسمة ٌ     كأَني على دَرْبِ المشيبِ لَبيد
ومن عبث الدنيا وما عبثت سدى ً     شببنا وشبنا والزمانُ وليدُ

احمد شوقي - في مقلتيك مصارعُ الأَكبادِ

في مقلتيك مصارعُ الأَكبادِ     الله في جنبٍ بغير عماد
كانت له كبدٌ ، فحاق بها الهوى     قُهِرتْ، وقد كانت من الأَطواد
وإذا النفوسُ تطوحتْ في لذة ٍ     كانت جنايتُها على الأَجساد
نَشْوى ، وما يُسقيْنَ إلاَّ راحتي     وَسْنَى ، وما يَطْعَمْن غير رُقادي
ضعفي ، وكم أبلين من ذي قوة     مرضى وكم أفنينَ من عواد
يا قاتل اللهُ العيونَ ؛ فإنها     في حَرِّ ما نَصْلَى الضعيفُ البادي
قاتلن في أجفانهن قلوبنا     فصَرَعْنَها، وسلِمْنَ بالأَغماد
وصبغن من دمها الخدود تتصلاً     ولقينَ أرباب الهوى بسواد

احمد شوقي - قفْ باللواحظِ عندَ حدكْ

قفْ باللواحظِ عندَ حدكْ     يكفيكَ فتنة ُ نارِ خدكْ
واجْعل لِغِمْدِكَ هدْنَة ً     إن الحوادث مِلءُ غِمْدِك
وصُنِ المحاسن عن قلو     ب لا يَدَيْنِ لها بجُنْدِك
نظرتْ إليكَ عن الفُتو     رِ، وما اتَّقَتْ سَطَواتِ حدِّك
أَعلى رِواياتِ القَنَا     ما كان نِسْبتُه لقَدِّك
نال العواذلُ جهدَهم     وسمعتَ منهم فرق جهدك
نقلوا إليك مقالة ً     ما كان أَكثَرُها لعبدك
ما بي السهامُ الكثرُ من     جَفْنَيْكَ، لكنْ سهمُ بُعْدِك

احمد شوقي - مضناك جفاهُ مرقده

مضناك جفاهُ مرقده     وبكاه ورحمَ عودُهُ
حيرانُ القلبِ مُعَذَّبُهُ     مقروح الجفنِ مسهده
أودى حرفاً إلا رمقاً     يُبقيه عليك وتُنْفِدهُ
يستهوي الورق تاوهه     ويذيب الصخرَ تنهدهُ
ويناجي النجمَ ويتعبه     ويُقيم الليلَ ويُقْعِدهُ
ويعلم كلَّ مطوقة ٍ     شجناً في الدَّوحِ ترددهُ
كم مد لطفيكَ من شركٍ     وتادب لا يتصيدهُ
فعساك بغُمْضٍ مُسعِفهُ     ولعلّ خيالك مسعدهُ
الحسنُ حَلَفْتُ بيُوسُفِهِ     والسورة ِ إنك مفردهُ
قد وَدَّ جمالك أو قبساً     حوراءُ الخُلْدِ وأَمْرَدُه
وتمنَّت كلٌّ مقطعة ٍ     يدها لو تبعث تشهدهُ
جَحَدَتْ عَيْنَاك زَكِيَّ دَمِي     أكذلك خدَّك يحجده؟
قد عزَّ شُهودي إذ رمَتا     فأشرت لخدِّك أشهده
وهممتُ بجيدِك أشركه     فأبى ، واستكبر أصيده
وهزَزْتُ قَوَامَك أَعْطِفهُ     فَنَبا، وتمنَّع أَمْلَدُه
سببٌ لرضاك أمهده     ما بالُ الخصْرِ يُعَقِّدُه؟
بيني في الحبِّ وبينك ما     لا يَقْدِرُ واشٍ يُفْسِدُه
ما بالُ العاذِلِ يَفتح لي     بابَ السُّلْوانِ وأُوصِدُه؟
ويقول : تكاد تجنُّ به     فأَقول: وأُوشِكُ أَعْبُده
مَوْلايَ ورُوحِي في يَدِه     قد ضَيَّعها سَلِمتْ يَدُه
ناقوسُ القلبِ يدقُّ لهُ     وحنايا الأَضْلُعِ مَعْبَدُه
قسماً بثنايا لؤلُئِها     قسم الياقوت منضده
ورضابٍ يوعدُ كوثرهُ     مَقتولُ العِشقِ ومُشْهَدُه
وبخالٍ كاد يحجُّ له     لو كان يقبَّل أسوده
وقَوامٍ يَرْوي الغُصْنُ له     نَسَباً، والرُّمْحُ يُفَنِّدُه
وبخصرٍ أوهَنَ مِنْ جَلَدِي     وعَوَادِي الهجر تُبدِّدُه
ما خنت هواك ، ولا خطرتْ     سلوى بالقلب تبرده

احمد شوقي - بالله يا نَسَماتِ النيل في السَّحَرِ

بالله يا نَسَماتِ النيل في السَّحَرِ     هل عندَكُنَّ عن الأَحباب مِنْ خبَر؟
عرفتكنَّ بعرفٍ لا أكيفه     لا في الغوالي ، ولا في النَّورِ والزَّهَر
من بعض ما مسح الحسنُ الوجوهَ به     بينَ الجبينِ، وبينَ الفَرْقِ والشَّعَر
فهل عَلِقْتُنَّ أَثناءَ السُّرَى أَرَجاً     من الغدائر ، أو طيبا من الطُّرر؟
هجتنَّ لي لوعة ً في القلب كامنة ً     والجُرْحُ إنْ تَعْتَرِضْه نَسْمَة ٌ يَثُر
ذكرت مصر ، ومن أهوى ، ومجلسنا     على الجزيرة بين الجسر والنَّهَر
واليومُ أَشْيَبُ، والآفاقُ مُذْهَبة ٌ     والشمسث مصفرة ٌ تجري لمنحدر
والنخلُ مُتَّشِحٌ بالغيم، تحسبُهُ     هِيفَ العرائسِ في بيضٍ من الأُزُر
وما شجانيَ إلاّ صوتُ ساقية ٍ     تستقبل الليلَ بين النَّوْح والعَبَر
لم يترك الوجدُ منها غيرَ أَضْلُعِها     وغيرَ دَمعٍ كصَوْب الغَيْثِ مُنْهَمِر
بخيلة بمآقيها ، فلو سئلتْ     جَفْناً يُعين أَخا الأَشواقِ لم تُعِر
في ليلة من ليالي الدهر طَيِّبَة ٍ     محا بها كلَّ ذنبٍ غيرِ مُغْتَفَر
عفَّتْ ، وعفَّ الهوى فيها ، وفاز بها     عَفُّ الإشارة ِ، والأَلفاظِ، والنظر
بتنا ، وباتت حناناً حولنا ورضاً     ثلاثة ٌ بين سمْعِ الحبِّ والبصر
لا أكذب اللهَ ، كان النجمُ رابعنا     لو يُذْكرُ النجمُ بعد البدر في خبر
وأَنصفَتْنا، فظُلمٌ أَن نُجازِيَها     شكوى من الطول، أَو شكوى من القِصَر
دَعْ بعد رِيقَة ِ مَنْ تَهْوَى ومَنْطِقِه     ما قيل في الكأْس، أَو ما قيل في الوتر
ولا تبالِ بكنزٍ بعد مبسمِه     أَغلى اليواقيت ما أُعْطِيتَ والدُّرَر
ولم يَرُعْنِي إلاَّ قولُ عاذِلة ٍ     ما بالُ أَحمدَ لم يَحلُمْ ولم يَقِر؟
هلا ترفَّع عن لَهْوٍ وعن لَعِبٍ؟     إن الصغائر تغري النفسَ بالصغر
فقلتُ: للمجد أَشعاري مُسَيَّرة     وفي غواني العلا ـ لا في المها ـ وطري
مصرُ العزيزة ُ، مالي لا أُودِّعُها     وداعَ محتفظٍ بالعهد مذكر
خلَّفْتُ فيها القَطا ما بين ذي زَغَبٍ     وداعَ محتفظٍ بالعهد مدكر
وذي تمائمَ لم ينهض ولم يَطِرِ
أسلمتهم لعيون الله تحرسُهم     وأَسلموني لظلِّ الله في البشر

احمد شوقي - عَرَضوا الأَمانَ على الخواطرْ

عَرَضوا الأَمانَ على الخواطرْ     واستعرضوا السُّمْرَ الخواطر
فوقفتُ في حذر ، ويأْ     بى القلبُ إلا ان يخاطِر
يا قلب شأْنك والهوى     هذي الغصونُ وأَنت طائر
إن التي صادتْك تسـ     ـعى بالقلوب لها النواظر
ييا ثغرها ، أمستُ كالـ     ـغوَّاص، أَحْلُم بالجواهر
يا لحظَها، مَنْ أُمُّها؟     أو مَنْ أبوها في الجآذر ؟
يا شعرها ، لا تسعَ في     هتكي، فشأْنُ الليلِ ساتر
يا قَدَّها، حتَّام تغـ     ـدو عاذِلاً وتروح جائر؟
وبأيِّ ذنبٍ قد طعنـ     ـتَ حشايَ يا قدَّ الكبائر؟

احمد شوقي - في ذي الجفونِ صوارمُ الأَقدار

في ذي الجفونِ صوارمُ الأَقدار     راعي البريّة َ يا رَعاكِ الباري
وكفى الحياة ُ لنا حوادثَ ، فافتني     مَلأَ النجومِ وعَالَمَ الأَقمار
ما أَنتِ في هذي الحلى إنْسِيَّة     إن أنت إلا الشمسُ في الأنوار
زهراء بالأفق الذي من دونه     وثْبُ النُّهى ، وتطَاوُلُ الأَفكار
تهتك الألباب خلف حجابها     مهما طلعتِ ، فكيف بالأبصار ؟
يا زينة الإصباح والإمساء ، بل     يا رَوْنَقَ الآصال والأَسحار
ماذا تحاول من تنائينا النوى ؟     أَنتِ الدُّنى وأَنا الخيالُ الساري
ألقى الضحى ألقاك، ثم من الدجى     سبل إليك خفية الأغوار
وإذا أنستُ بوحدتي فلانها     سببي إليك، وسلمي، ومناري
إيهٍ زماني في الهوى وزمانها     ما كنتما إلا النَّميرَ الجاري
مُتسَلْسلاً بين الصبابة والصِّبا     ومترقرقاً بمسارح الأقدار

احمد شوقي - لك أَن تلوم، ولي من الأَعذار

لك أَن تلوم، ولي من الأَعذار     أن الهوى قدرٌ من الأقدار
ما كنت أسلمُ للعيون سلامتي     وأَبيحُ حادثة َ الغرام وَقاري
وطَرٌ تَعَلَّقَه الفؤادُ وينقضي     والنفسُ ماضية ٌ مع الأوطار
يا قلبُ، شأْنَك، لا أَمُدُّك في الهوى     أبداً ولا أدعوك للأقصار
أمري وأمرك في الهوى بيد الهوى     لو أَنه بيَدِي فككْتُ إساري
جار الشبيبة ، وانتفع بجوارها     قبلَ المشيب، فما له من جار
مثل الحياة تحبّ في عهد الصِّبا     مثل الرياض تحبُّ في آذار
أبدأ فروقُ من البلاد هي المنى     ومنايَ منها ظبية ٌ بسِوار
ممنوعة ٌ إلا الجمالَ بأَسره     محجوبة ٌ إلا عن الأنظار
خطواتها التقوى ، فلا مزهوة ٌ     تمشي الدَّلال، ولا بذات نفار
مرّتْ بنا فوق الخليج، فأَسفرتْ     عن جَنّة ، وتلفتت عن نار
في نِسْوَة ٍ يُورِدْن مَن شِئْن الهوى     نظرا ، ولا ينظرن في الإصدار
عارضتهنّ ، وبين قلبي والهوى     أَمرٌ أُحاول كتْمَه وأُداري

احمد شوقي - أَتغلبني ذاتُ الدلالِ على صبري؟

أَتغلبني ذاتُ الدلالِ على صبري؟     إذن أَنا أَولى بالقناع وبالخِدْر
تتيه ، ولي حلمٌ إذا مار كبته     رددتُ به أَمرَ الغرامِ إلى أَمري
وما دفعي اللوامَ فيها سآمة     ولكنّ نفسَ الحرّ أَزجرُ للحرّ
وليلٍ كانّ الحشرَ مطلعُ فجره     تراءَتْ دموعي فيه سابقة َ الفجر
سريت به طيفاً لى من أحبها     وهل بالسُّها في حُلَّة ِ السُّقمِ من نُكر
طرقْتُ حِماها بعدَ ما هبّ أَهلُها     أَخوضُ غِمارَ الظنِّ والنظرِ الشزْر
فما راعني إلاَّ نساءٌ لِقينَني     يبالِغن في زَجْري، ويُسرفن في نَهري
يقلْن لمن أَهوى وآنَسْنَ رِيبة ً:     نرى حالة ً بين الصَّبابة والسّحر
إليكنّ جاراتِ الحمى عن ملامتي     وذَرْنَ قضاءَ الله في خَلْقه يجري
وأَحْرَجني دمعي، فلما زجرتُه     رددتُ قلوبَ العاذِلاتِ إلى العُذْر
فساءَلْنها: ما اسمي؟ فسمَّتْ، فجئنني     يَقُلْنَ: أَماناً للعذارى من الشِّعر
فقلتُ: أَخافُ الله فِيكُنَّ، إنني     وجدتُ مقالَ الهُجْر يُزْرَى بأَن يُزْرِي
أَخذتُ بحَظٍّ من هواها وبينها     ومن يهو يعدلْ في الوصال وفي الهجر
إذا لم يكن المرءِ عن عيشة ٍ غنى ً     فلا بدّ من يُسر، ولا بد من عُسر
ومن يَخبُرِ الدنيا ويشربْ بكأْسها     يجدْ مُرَّها في الحلو، والحلوَ في المرّ
ومن كان يغزو بالتَّعِلاَّت فقرَه     فإني وجدتُ الكدَّ أقتلَ للفقر
ومن يستعنْ في أمرهِ غير نفسه     يَخُنْه الرفيقُ العون في المسلك الوعْر
ومن لم يقم ستراً على عيبِ غيره     يعِش مستباحَ العِرْضِ، مُنهَتِك السّتر
ومن لم يجمِّل بالتواضع فضله     يَبِنْ فضلُه عنه، ويَعْطَلْ من الفخر

احمد شوقي - قلبٌ يذوب ، ومدمعٌ يجري

قلبٌ يذوب ، ومدمعٌ يجري     يا ليلُ ، هل خيرٌعن الفجر
حالت نجومك دون مطلعه     لا تبتغي حِوَلاً، ولا يسري
وتطاولَتْ جُنْحاً، فخُيِّل لي     أَن الصباحَ رهينة ُ الحشر
أَرسيتَها وملكتَ مذهبَها     بدجنة ٍ كسريرة الدهر
ظلمٌ تجيء بها وترجعها     والموجُ منقلبٌ إلى البحر
ليت الكرى وموسى فيوردها     فرعون هذا السهد والفكر
ولقد أَقول لهاتفٍ سحراً     يبكي لغير نوىص ولا أسر
والروضُ أخرسُ غير وسوية ٍ     خَفَقَ الغصونِ، وجرْية الغُدْر
والطيرُ مِلءُ الأَيْكِ، أَرؤُسُها     مثلُ الثمار بدت من السِّدْر
ألقى الجناحَ ، وناء بالصدر     ورنا بصفراوين كالتبر
لكهم السهادُ بيوتَ هدبها     وأَقام بين رُسومِها الحُمْر
تهدا جوانحه ، فتحسبه     من صَنْعة الأَيدي أَو السِّحْر
وتثور، فهْوَ على الغصون يَدٌ     علقتْ أناملها من الجمر
يا طيرُ، بُثَّ أَخاك ما يَجري     إنَّا كِلانا مَوْضِعُ السِّرّ
بي مثل ما بك من جوى ً ونوى ً     أنا في الأنام ، وأنت في القمر
عبث الغرام بنا وروعنا     أنا بالملام ، وأنت بالزجر
يا طيرُ، لا تجزَعْ لحادثة ٍ     كلُّ النفوسِ رهائنُ الضرّ
فيما دهاك لو اطَّلعتَ رضًى     شرٌّ أخفُّ عليك من شرّ
يا طيرُ، كَدْرُ العيشِ لو تدري     في صفوه، والصفْوُ في الكَدْر
وإذا الأُمورُ استُصعِبَتْ صَعُبَتْ     ويهون ما هوّنتَ من أَمر
يا طيرُ، لو لُذْنا بمصْطَبَرٍ     فلعلّ رُوحَ الله في الصَّبْر
وعسى الأَمانيُّ العذابُ لنا     عونٌ على السلوان والهجر