Pages

Monday, January 14, 2013

محمود درويش - صلاة أخيرة

يخيّل لي أن عمري قصير
و أني على الأرض سائح
و أن صديقة قلبي الكسير
تخون إذا غبت عنها
و تشرب خمرا
لغيري،
لأني على الأرض سائح!
يخيل لي أن خنجر غدر
سيحفر ظهري
فتكتب إحدى الجرائد:
"كان يجاهد"
و يحزن أهلي و جيراننا
و يفرح أعداؤنا
و بعد شهور قليلة
يقولون: كان!
يخيل لي أن شعري الحزين
و هذي المراثي، ستصبح ذكرى
و أن أغاني الفرح
وقوس قزح
سينشدها آخرون
و أن فمي سوف يبقى مدمّى
على الرمل و العوسج
فشكرا لمن يحملون
توابيت أمواتهم!
و عفوا من المبصرين
أمامي لافتة النجم
في ليلة المدلج!
يخيل لي يا صليب بلادي
ستحرق يوما
و تصبح ذكرى ووشما
وحين سينزل عنك رمادي
ستضحك عين القدر
و تغمز: ماتا معا
لو أني، لو أني
أقبّل حتى الحجر
و أهتّف لم تبق إلاّ بلادي!
بلادي يا طفلة أمه
تموت القيود على قدميها
لتأتي قيود جديدة
متى نشرب الكأس نخبك
حتى و لو في قصيدة؟
ففرعون مات
و نيرون مات
و كل السنابل في أرض بابل
عادت إليها الحياة!
متى نشرب الكأس نخبك
حتى و لو في الأغاني
أيا مهرة يمتطيها طغاة الزمان
و تفلت منا
من الزمن الأول
_لجامك هذا.. دمي !
_و سرجك هذا.. دمي
إلى أين أنت إذن رائحة
أنا قد وصلت إلى حفرة
و أنت أماما.. أماما
إلى أين؟
يا مهرتي الجامحة؟!
يخيل لي أن بحر الرماد
سينبت بعدي
نبيذا و قمحا
و أني لن أطعمه
لأني بظلمة لحدي
و حيدّ مع الجمجمة
لأني صنعت مع الآخرين
خميرة أيامنا القادمة
و أخشاب مركبنا في بحار الرماد
يخيل لي أن عمري قصير
و أني على الأرض سائح
و لو بقيت في دمي
نبضة واحدة
تعيد الحياة إليّ
لو أني
أفارق شوك مسالكنا الصاعدة
لقلت ادفنوني حالا
أنا توأم القمة المارده!!

محمود درويش - الجرح القديم

واقف تحت الشبابيك،
على الشارع واقف
درجات السلّم المهجور لا تعرف خطوي
لا و لا الشبّاك عارف
من يد النخلة أصطاد سحابه
عندما تسقط في حلقي ذبابه
و على أنقاض أنسانيتي
تعبر الشمس و أقدام العواصف
واقف تحت الشبابيك العتيقه
من يدي يهرب دوريّ وأزهار حديقه
اسأليني: كم من العمر مضى حتى تلاقى
كلّ هذا اللون والموت، تلاقى بدقيقه؟
وأنا أجتاز سردابا من النسيان،
والفلفل، والصوت النحاسي
من يدي يهرب دوريّ..
وفي عيني ينوب الصمت عن قول الحقيقه!
عندما تنفجر الريح بجادي
وتكفّ الشمس عن طهو النعاس
وأسمّي كل شئ باسمه،
عندها أبتاع مفتاحا وشباكا جديدا
بأناشيد الحماس!
_أيّها القلب الذي يحرم من شمس النهار
ومن الأزهار والعيد، كفانا!
علمونا أن نصون الحب بالكره!
وأن نكسو ندى الورد.. غبار!
_أيّها الصوت الذي رفرف في لحمي
عصافبر لهب،
علّمونا أن نغني ،ونحب
كلّ ما يطلعه الحقل من العشب،
من النمل، وما يتركه الصيف على أطلال دار.
.علّمونا أن نغني، ونداري
حبّنا الوحشيّ، كي لا
يصبح الترنيم بالحب مملا!
عندما تنفجر الريح بجلدي
سأسمي كل شئ باسمه
وأدق الحزن والليل بقيدي
يا شبابيكي القديمه..!

محمود درويش - أغنية حب على الصليب

يغنيها الحبيب ولا احد غير الحبيب
مدينة كل الجروح الصغيره
يناجي جرحي تلك الاميرة
ألاتخمدين يدي؟
ونار تحتل بعدي
ألاتبعثين غزالاأليّ؟
وترتلي تنهدات صلاتك علي
وعن جبهتي تنفضين الدخان.. وعن رئتيّ
؟!
وبقايا النبيذ الاحمر من شهوتي
حنيني أليك ..اغتراب
وحبي اليك....... عقوق ابن يطال السحاب
ولقياك.. منفى1
وجرحي ابى ان يشفى
أدقّ على كل باب..
وافتح سرداب تلو سرداب
أنادي، وأسأل، كيف
تصير النجوم تراب؟
والولادة كرشفة قهوة لحظة من غير عذاب
والفقير سيد قوم يها ب
والغني وحيد من غير احباب
أحبك، كوني صليبي
وثورة بين ضلوعي وسيفاً مهيب
وكوني، كما شئت، برج حمام
وعرس العذارى هناك يُقام
أذا ذوبتني يدلك
ملأت الصحارى غمام
وحرب غرامي اليك لاتنشد السلام
لحبك يا كلّ حبي، مذاق الزبيب
ياحلوة القد وشعر الاطفال لمراأك يشيب
وطعم الدم
وشهد الفم
على جبهتي قمر لا يغيب
وجواب لسؤال ابى ان يصيب
ونار وقيثارة في فمي!
إذا متّ حبا فلا تدفنيني
هناك بين نهديكي خليني
يلفحني شبق الغرام ويحييني
و خلي ضريحي رموش الرياح
أو شهوة تلف فخديكي كسحب الوشاح
وقولي لهم هذا حبيبي وهذا هو المحرم المباح
لأزرع صوتك في كل طين
ياخضرة الزيتون ياعسل التين
و أشهر سيفك كل ساح
وادندن عشقك بمساء لايتلوه صباح
أحبك، كوني صليبي
و ما شئت كوني
مليكة مدينة من غير دروبي
و كالشمس ذوبي
بقلبي ..و لا ترحميني
ولاتدفنني
وظلي اذكريني
وظلي اذكريني

محمود درويش - خارج من الأسطورة

إنني أنهض من قاع الأساطير
و أصطاد على كل السطوح النائمة
خطوات الأهل و الأحباب.. أصطاد نجومي القاتمة
إنني أمشي على مهلي، و قلبي مثل نصف البرتقاله
و أنا أعجب للقلب الذي يحمل حاره
و جبالا، كيف لا يسأم حاله!
و أنا أمشي على مهلي.. و عيني تقرأ الأسماء
و الغيم على كل الحجارة
و على جيدك يا ذات العيون السود
يا سيفي المذهب
ها أنا أنهض من قاع الأساطير.. و ألعب
مثل دوريّ على الأرض.. و أشرب
من سحاب عالق في ذيل زيتون و نخل
ها أنا أشتمّ أحبابي و أهلي
فيك، يا ذات العيون السود.. يا ثوبي المقصّب
لم تزل كفّاك تلّين من الخضرة، و القمح المذهّب
و على عينيك ما زال بساط الصحو
بالوشم الحريري.. مكوكب!
إنني أقرأ في عينيك ميلاد النهار
إنني أقرأ أسرار العواصف
لم تشيخي.. لم تخوني.. لم تموتي
إنما غيّرت ألوان المعاطف
عندما انهار الأحبّاء الكبار
و امتشقنا، لملاقاة البنادق
باقة من أغنيات و زنابق!
آه.. يا ذات العيون السود ،و الوجه المعفر
يشرب الشارع و الملح دمي
كلما مرت على بالي أقمار الطفولة
خلف أسوارك يا سجن المواويل الطويلة
خلف أسوارك ،ربّيت عصافيري
و نحلي، و نبيذي،و خميله

محمود درويش - اعتذار

حلمت بعرس الطفولة
بعينين واسعتين حلمت
حلمت بذات الجديلة
حلمت بزيتونة لا تباع
ببعض قروش قليلة
حلمت بأسوار تاريخك المستحيلة
حلمت برائحة اللوز
تشعل حزن الليالي الطويلة
بأهلي حلمت..
بساعد أختي
سيلتفّ حولي وشاح بطولة
حلمت بليلة صيف
بسلّة تين
حلمت كثيرا
كثيرا حلمت ..
إذن سامحيني!!

محمود درويش - الورد و القاموس

و ليكن .
لا بد لي ..
لا بد للشاعر من نخب جديد
و أناشيد جديدة
إنني أحمل مفتاح الأساطير و آثار العبيد
و أنا أجتاز سردابا من النسيان
و الفلفل، و الصيف القديم
و أرى التاريخ في هيئة شيخ،
يلعب النرد و يمتصّ النجوم
و ليكن
لا بدّ لي أن أرفض الموت،
و إن كانت أساطيري تموت
إنني أبحث في الأنقاض عن ضوء،و عن شعر جديد
آه.. هل أدركت قبل اليوم
أن الحرف في القاموس، يا حبي، بليد
كيف تحيا كلّ هذي الكلمات!
كيف تنمو؟.. كيف تكبر؟
نحن ما زلنا نغذيها دموع الذكريات
وإستعارات ..و سكّر!
وليكن..
لا بد لي أن أرفض الورد الذي
يأتي من القاموس، أو ديوان شعر
ينبت الورد على ساعد فلاّح، و في قبضة عامل
ينبت الورد على جرح مقاتل
و على جبهة صخر..

محمود درويش - وعود من العاصفة

و ليكن ..
لا بدّ لي أن أرفض الموت
و أن أحرق دمع الأغنيات الراعفه
و أعرّي شجر الزيتون من كل الغصون الزائفة
فإذا كنت أغني للفرح
خلف أجفان العيون الخائفة
فلأنّ العاصفة
وعدتني بنبيذ.. و بأنخاب جديده
و بأقواس قزح
و لأن العاصفة
كنست صوت العصافير البليده
و الغصون المستعارة
عن جذوع الشجرات الواقفه.
و ليكن..
لا بدّ لي أن أتباهى، بك، يا جرح المدينة
أنت يا لوحة برق في ليالينا الحزينة
يعبس الشارع في وجهي
فتحميني من الظل و نظرات الضغينة
سأغني للفرح
خلف أجفان العيون الخائفة
منذ هبت، في بلادي، العاصفة
وعدتني بنبيذ،وبأقواس قزح

محمود درويش - موال

خسرت حلما جميلا،
خسرت لسع الزنابق
و كان ليلي طويلا،
على سياج الحدائق
وما خسرت السبيلا
لقد تعوّد كفّى،
على جراح الأماني
هزي يدي بعنف.. ينساب نهر الأغاني
يا أم مهري و سيفي!
_يمّا.. مويل الهوى
_يمّا ..مويليا
"ضرب الخناجر.. و لا
"حكم النذل فيّا
*
يداك فوق جبيني،تاجان من كبرياء
إذا انحنيت ،انحنى ، تل وضاعت سماء
ولا أعود جديرا بقبلة أو دعاء
و الباب يوصد دوني
كوني على شفتيا اسما لكل الفصول
لم يأخذوا من يديّا ، إلا مناخ الحقول
و أنت عندي دنيا!
"يمّا.. مويل الهوى
"يمّا.. مويليا
"ضرب الخناجر.. و لا
"حكم النذل فيّا
*
الريح تنعس عندي .. على جبين ابتسامة
و القيد خاتم مجد ، و شامة للكرامة
و ساعدي.. للتحدي
على يديك تصلي طفولة المستقبل
وخلف خفنيك، طفلي يقول: يومي أجمل
و أنت شمسي و ظلي
*
"يمّا.. مويل الهوى
"يمّا.. مويليا
"ضرب الخناجر.. و لا
"حكم النذل فيّا
الأرض ،أم أنت عندي أم أنتما توأمان
مد مدّ للشمس زندي؟ الأرض، أم مقلتان
سيان سيان.. عندي
*
إذا خسرت الصديقة فقدت طعم السنابل
و إن فقدت الحديقة ضيّعت عطر الجدائل
و ضاع حلم الحقيقة
*
عن الورد أدافع شوقا إلى شفتيك
وعن تراب الشوارع خوفا على قدميك
و عن دفاعي أدافع
*
"يمّا..مويل الهوى
"يما.. مويليا
"ضرب الخناجر.. و لا
"حكم النذل فيّا

محمود درويش - جندي يحلم بالزنابق البيضاء

يحلم بالزنابق البيضاء
بغصن زيتون..
بصدرها المورق في المساء
يحلم_ قال لي _بطائر
بزهر ليمون
و لم يفلسف حلمه ل،م يفهم الأشياء
إلا كما يحسّها.. يشمّها
يفهم_ قال لي_ إنّ الوطن
أن أحتسي قهوة أمي
أن أعود في المساء..
سألته: و الأرض؟
قال: لا أعرفها
و لا أحس أنها جلدي و نبضي
مثلما يقال في القصائد
و فجأة، رأيتها
كما أرى الحانوت..و الشارع.. و الجرائد
سألته: تحبها
أجاب: حبي نزهة قصيرة
أو كأس خمر.. أو مغامرة
_من أجلها تموت ؟
_كلا!
و كل ما يربطني بالأرض من أواصر
مقالة نارية.. محاضرة!
قد علّموني أن أحب حبّها
و لم أحس أن قلبها قلبي،
و لم أشم العشب، و الجذور، و الغصون..
_و كيف كان حبّها
يلسع كالشموس ..كالحنين؟
أجابني مواجها:
_و سيلتي للحب بندقية
وعودة الأعياد من خرائب قديمة
و صمت تمثال قديم
ضائع الزمان و الهوية!
حدّثني عن لحظة الوداع
و كيف أمّة
تبكي بصمت عندما ساقوه
إلى مكان ما من الجبهة..
و كان صوت أمه الملتاع
يحفر تحت جلده أمنية جديدة :
لو يكبر الحمام في وزارة الدفاع
لو يكبر الحمام!..
..دخّن، ثم قال لي
كأنه يهرب من مستنقع الدماء:
حلمت بالزنابق البيضاء
بغصن زيتون..
بطائر يعانق الصباح
فوق غصن ليمون..
_وما رأيت؟
_رأيت ما صنعت
عوسجة حمراء
فجرتها في الرمل.. في الصدور.. في البطون..
_و كم قتلت ؟
_يصعب أن أعدهم..
لكنني نلت وساما واحدا
سألته، معذبا نفسي، إذن
صف لي قتيلا واحدا.
أصلح من جلسته ،وداعب الجريدة المطويّة
و قال لي كأنه يسمعني أغنية:
كخيمة هوى على الحصى
و عانق الكوكب المحطمة
كان على جبينه الواسع تاج من دم
وصدره بدون أوسمة
لأنه لم يحسن القتال
يبدو أنه مزارع أو عامل أو بائع جوال
كخيمة هوى على الحصى ..و مات..
كانت ذراعاه
ممدودتين مثل جدولين يابسين
و عندما فتّشت في جيوبه
عن اسمه، وجدت صورتين
واحد ..لزوجته
واحد.. لطفله ..
سألته: حزنت؟
أجابني مقاطعا يا صاحبي محمود
الحزن طيّر أبيض
لا يقرب الميدان. و الجنود
يرتكبون الإثم حين يحزنزن
كنت هناك آلة تنفث نارا وردى
و تجعل الفضاء طيرا أسودا
حدثّني عن حبه الأول،
فيما بعد
عن شوارع بعيدة،
و عن ردود الفعل بعد الحرب
عن بطولة المذياع و الجريدة
و عندما خبأ في منديله سعلته
سألته: أنلتقي
أجاب: في مدينة بعيدة
حين ملأت كأسه الرابع
قلت مازحا.. ترحل و.. الوطن ؟
أجاب: دعني..
إنني أحلم بالزنابق البيضاء
بشارع مغرّد و منزل مضاء
أريد قلبا طيبا، لا حشو بندقية
أريد يوما مشمسا، لا لحظة انتصار
مجنونة.. فاشيّة
أريد طفلا باسما يضحك للنهار،
لا قطعة في الآله الحربية
جئت لأحيا مطلع الشموس
لا مغربها
ودعني، لأنه.. يبحث عن زنابق بيضاء
عن طائر يستقبل الصباح
فوق غصن زيتون
لأنه لا يفهم الأشياء
إلاّ كما يحسّها.. يشمّها
يفهم_ قال لي_ إن الوطن
أن أحتسي قهوة أمي..
أن أعود، آمنا مع، المساء

محمود درويش - مغني الدم

لمغنّيك، على الزيتون، خمسون وتر
و مغنيك أسير كان للريح، و عبدا للمطر
و مغنيك الذي تاب عن نوم تسلّى بالسهر
سيسمي طلعة الورد، كما شئت، شرر
سيسمّي غابة الزيتون في ، ميلاد سحر
و سيبكي، هكذا اعتاد
إذا مرّ نسيم فوق خمسين وتر
آه يا خمسين لحنا دمويا
كيف صارت لركة الدمّ نجوما و شجر؟
الذي مات هو القاتل يا قيثارتي
و مغنيك انتصر!
إفتحي الأبواب يا قريتنا
إفتحيها للرياح الأربع
ودعي خمسين جرحا يتوهّج
كفر قاسم..
قرية تحلم بالقمح ،و أزهار البنفسج
و بأعراس الحمائم
............
_أحصدوهم دفعة واحدة
أحصدوهم
............
.......حصدوهم ...
............
آه يا سنبلة القمح على صدر الحقول
و مغنيك يقول:
ليتني أعرف سر الشجره
ليتني أدفن كل الكلمات الميته
ليت لي قوة صمت المقبرة
يا يدا تعزف، يا للعار! خمسين وتر
ليتني أكتب بالمنجل تاريخي
و بالفأس حياتي،
وجناح القبره
............
كفر قاسم
إنني عدت من الموت لأحيا، لأغني
فدعيني أستعر صوتي من جرح توهّج
و أعينيني على الحقد الذي يزرع في قلبي عوسج
إنني مندوب جرح لا يساوم
علمتني ضربة الجلاد أن أمشي على جرحي
و أمشي..
ثم أمشي ..
و أقاوم!

محمود درويش - حوار في تشرين

أحاور ورقة توت:
_و من سوء حظ العواصف أنّ المطر
يعيدك حيّه ،
و أن ضحيتها لا تموت
و أن الأيادي القويّة
تكبلها بالوتر!
سأدفع مهر العواصف
مزيدا من الحب للوردة الثاكله
و أبقى على قمة التل واقف
لأفضح سر الزوابع.. للقافلة
أحاور هبّة ريح :
إذا هاجر الزراع الأول
وعاث بحنطة القاتل
و إن قتلوه كما قتلوني
فلن تحملي الأرض يوما
و لن تنزعي جلدها عن جفوني
سأدفع مهر العواصف
مزيدا من الحب للوردة الثاكله
و أبقى على قمة التل واقف
لأفضح سر العواصف.. للقافلة !
أحاور روح الضحيّة :
و من سوء حظ العواصف أن المطر
يعيدك حيّة ..
و من حسن حظك أنك أنت الضحيّة
هلا.. يا هلا.. بالمطر!

محمود درويش - الموت مجانا

كان الخريف يمرّ في لحمي جنازة برتقال..
قمرا نحاسيا تفتته الحجارة و الرمال
و تساقط الأطفال في قلبي على مهج الرجال
كل الوجوم نصيب عيني ..كل شيء لا يقال..
و من الدم المسفوك أذرعة تناديني: تعال!
فلترفعي جيدا إلى شمس تحنّت بالدماء
لا تدفني موتاك!.. خليهم كأعمدة الضياء
خلي دمي المسفوك.. لافته الطغاة إلى المساء
خليه ندا للجبال الخضر في صدر الفضاء!
لا تسألي الشعراء أن يرثوا زغاليل الخميله
شرف الطفولة أنها
خطر على أمن القبيلة
إني أباركهم بمجد يرضع الدم و الرذيلة
و أهنيء الجلاد منتصرا على عين كحيلة
كي يستعير كساءه الشتوي من شعر الجديلة
مرحى لفاتح قرية!.. مرحى لسفاح الطفوله !..
يا كفر قاسم!.. إن أنصاب القبور يد تشدّ
و تشد للأعماق أغراسي و أغراس اليتامى إذ تمد
باقون.. يا يدك النبيلة، علمينا كيف نشدو
باقون مثل الضوء، و الكلمات، لا يلويهما ألم و قيد
يا كفر قاس!
إن أنصاب القبور يد تشد..!

محمود درويش - القتيل رقم 18

غابة الزيتون كانت مرة خضراء
كانت ..و السماء
غابة زرقاء.. كانت حبيبي
ما الذي غيرّها هذا المساء؟
............
أوقفوا سيارة العمال في منعطف الدرب
و كانوا هادئين
و أدارونا إلى الشرق.. و كانوا هادئين
............
كان قلبي مرة عصفور زرقاء.. يا عش حبيبي
و مناديلك عندي، كلها بيضاء، كانت حبيبي
ما الذي لطّخها هذا المساء؟
أنا لا أفهم شيئا يا حبيبي!
............
أوقفوا سيارة العمال في منتصف الدرب
و كانوا هادئين
و أدارونا إلى الشرق.. و كانوا هادئين
............
لك مني كلّ شيء
لك ظل لك ضوء
خاتم العرس، و ما شئت
و حاكورة زيتون و تين
و سآتيك كما في كل ليلة
أدخل الشبّاك، في الحلم، و أرمي لك فله
لا تلمني إن تأخرت قليلا
إنهم قد أوقفوني
غابة الزيتون كانت دائما خضراء
كانت يا حبيبي
إن خمسين ضحيّة
جعلتها في الغروب ..
بركة حمراء.. خمسين ضحيّة
يا حبيبي.. لا تلمني..
قتلوني.. قتلوني..
قتلوني..

محمود درويش - القتيل رقم 48

وجدوا في صدره قنديل ورد.. و قمر
وهو ملقى، ميتا، فوق حجّر
وجدوا في جيبه بعض قروش
وجدوا علبة كبريت،و تصريح سفرّ..
و على ساعده الغض نقوش.
قبلته أمّه..
و بكت عاما عليه
بعد عام، نبت العوسج ىفي عينيه
و اشتدّ الظلام
عندما شبّ أخوه
و مضى يبحث عن شغل بأسواق المدينة
حبسوه..
لم يكن تصريح سفر
إنه يحمل في الشارع صندوق عفونه
و صناديق أخر
آه: أطفال بلادي
هكذا مات القمر!