Pages

Tuesday, January 15, 2013

احمد شوقي - به سحرٌ يتيمهُ

به سحرٌ يتيمهُ     كلا جفينكَ يعلمهُ
هما كادا لمهجتهِ     ومنكَ الكيدُ مُعظمُه
تعذبه بسحرهما     وتوجده ، وتعدمه
فلا هَارُوتَ رَقَّ له     ولا مَارُوتَ يَرْحَمُه
وتَظلِمُه فلا يشكو     إلى ما ليس يظلمه
أَسرَّ، فماتَ كتماناً     وباح، فخانه فمُه
فويْحَ المُدنَفِ المعمـ     ـودِ ، حتى البثُّ يحرمه
طويل الليل ، ترحمه     هواتِفُه وأَنجُمه
إذا جدّ الغرام به     جرى في دمعه دمه
يكاد لطول صحبتِه     بعادي السقم يسقمه
ثَنَى الأَعنَاقَ عُوَّدُه     وأَلقى العذرَ لُوَّمُه
قضى عشقاً سوى رمقٍ     إليكَ غداً يقدِّمه
عسى إن قيل : مات هوى     تقول : اللهُ يرحمه
فتحيا في مَراقِدها     بلفظٍ منكَ أعظمه
بروحي البانُ يومَ رَنا     عن المقدورِ أَعْصِمُه
ويوم طعنتُ من غصن     معلمه منعمه
قضاء اللهش نظرته     ولطفُ الله مَبْسِمُه
رمى ، فاستهدفتْ كبدي     بِيَ الرّامي وأَسْهمُه
له من أضلعي قاعٌ     ومن عَجَبٍ يسلِّمه
ومن قلبي وحبته     كناسٌ بات يهدمه
غزالٌ في يديه التيـ     ـه بينَ الغيدِ يقسمه

احمد شوقي - مَنْ صَوَّرَ السِّحْرَ المُبينَ عيونا

مَنْ صَوَّرَ السِّحْرَ المُبينَ عيونا     واحلَّه حدقاً لها وجفونا ؟
نظرتْ ، فحلتُ بجانبي ، فاستهدفتْ     كبدي ، وكان فوادي المغبونا
ورمت بسهم جال فيه جولة ً     حتى استقر ، فرنَّ فيه زنينا
فَلَمَسْتُ صدري مُوجساً ومُرَوَّعاً     ولمست جنبي مشفقاً وضنينا
يا قلبُ، إن من البَواتر أَعْيُناً     سوداً ، وإن من الجآذر عينا
لا تأْخذنّ من الأُمور بظاهرٍ     إن الظواهر تخدعُ الرائينا
فلكم رَجَعتُ من الأَسِنّة سالماً     وصدرت عن هيفِ القدود طعينا
وخميلة ٍ فوق الجزيرة مسها     ذهبُ الأصيل حواشياً ومتونا
كالتبر أفقاً ، والزبرجدِ ربوة     والمسكِ ترباً ، واللجين معينا
وقف الحيا من دونها مُسْتأْذِناً     ومشى النسيم بظلها ماذونا
وجرى عليها النيلُ يَقْذِفُ فضَّة     نثراً، ويَكسِر مَرْمَراً مَسْنونا
يُغري جواريَهُ بها، فَيجئنها     ويغيرهنَّ بها ، فيستعلينا
راع الظلام بها اوانس ترتمي     مثلَ الظباءِ من الرُّبى يَهوِينا
يخطرن في ساح القلوب عواليا     ويملن في مرأى العيون غصونا
عِفْنَ الذيولَ من الحرير وغيره     وسَحَبْنَ ثَمَّ الآسَ والنَّسْرينا
عارضتهن ولي فؤادٌ عرضة ٌ     لهوى الجآذرِ دانَ فيه ودِينا
فنظرن لا يدرين : أذهبُ يسرة ً     فيحدنَ عني ، أم أميل يمينا ؟
ونفرنَ من حولي وبين حبائلي     كالسِّرب صادفَ في الرَّواح كَمِينا
فجمعتهن إلى الحديث بدأته     فغصبن ، ثم أعدته فرضينا
وسمعت من أهوى تقول لتربها :     أَحْرَى بأَحمدَ أَن يكون رزينا
قالت: أَراه عندَ غاية ِ وَجْدِه     فلعلَّ ليلى ترحمُ المجنونا

احمد شوقي - أذعنَ للحسن عصيُّ العنانْ

أذعنَ للحسن عصيُّ العنانْ     وحاولتْ عيناك أمراً فكان
يعيش جفناك لبَثِّ المُنى     أو الأسى في قلب راجٍ وعان
يا مسرفاً في التيه ما ينتهي     أخاف أن يفنى علينا الزمان
ويا كثيرَ الدَّلّ في عزه     لا تنس لي عزِّي قُبَيْلَ الهَوان
ويا شديد العجبِ ، مهلاً ، فما     مِنْ مُنكرٍ أَنك زينُ الحِسان

احمد شوقي - يا حسنه بين الحسانْ

يا حسنه بين الحسانْ     في شكله إن قيل: بانْ
كالبدرِ تأْخذه العيو     نُ وما لهنّ به يَدان
مَلك الجوانحَ والفؤا     د ففي يديه الخافقان
ومنايَ منه نظرة ٌ     فعسى يُشير الحاجبان
فعَسى يُزَكِّي حُسْنَه     من لا له في الحسن ثان
فدعوه يعدلُ أو يجو     رُ، فإنه مَلكَ العِنان
حَقَّ الدلالُ لمن له     في كل جارحة مكان

احمد شوقي - يا ناعماً رقدت جُفونُه

يا ناعماً رقدت جُفونُه     مضناك لا تهدا شجونه
حملَ الهوى لك كلَّه     إن لم تعنه فمنْ يعينه؟
عُدْ مُنعِماً، أَو لا تَعُدْ     أَوْدَعْتَ سرَّكَ مَن يصُونُه
بيني وبيكَ في الهوى     سببٌ سيجمعنا متينه
رشأ يعابُ الساحرو     ن وسحرهم ، إلا جفونه
الروحُ مِلْكُ يمينه     يَفديه ما مَلَكَتْ يَمِينه
ما البانُ إلاَّ قدُّه     لو تيمتْ قلباً غصونه
ويزين كلَّ يتيمة     فمُه، وتحسبُهَا تَزينُه
ما العمرُ إلا ليلة ٌ     كان الصباح لها جبينه
بات الغرامُ بديننا     فيها كما بتنا ندينه
بين الرقيب وبيننا     وادٍ تباعدُه حزونُه
تغتابه ونقول : لا     بَقِي الرقيبُ ولا عيونُه

احمد شوقي - صحا القلبُ، إلاَّ من خُمارِ أَماني

صحا القلبُ، إلاَّ من خُمارِ أَماني     يجاذبُني في الغِيدِ رَثَّ عِناني
حنانيك قلبي، هل أعيدُ لك الصِّبا؟     وهل للفتى بالمستحيل يَدان؟
نحنُّ إلى ذاك الزمانِ وطيبه     وهل أَنتَ إلا من دم وحَنان؟
إذا لم تصن عهداً ، ولم ترعَ ذمة ً     ولم تدكر إلفا ؛ فلست جناني
أَتذكر إذ نُعْطِي الصَّبابة َ حقَّها     ونشرب من صرف الهوى بدنان؟
وأَنتَ خَفوقٌ، والحبيبُ مباعدٌ     وأَنت خفوقٌ، والحبيبُ مدان؟
وأَيامَ لا آلو رِهاناً مع الهَوى     وأَنت فؤادي عند كل رِهان
لقد كنت أشكو بعد ما عللك الصِّبا     فكيف ترى الكاسين تختلفان ؟
ومازلتُ في رَيْعِ الشباب، وإنما     يشيبُ الفتى في مصرَ قبلَ أوان
ولا أكذبُ الباري ، بنى اللهُ هيكلي     صنيعة إحسانٍ، ورِقَّ حِسان
أدين إذا افتاد الجمالُ أزمتي     وأَعنو إذا اقتادَ الجميلُ عِناني

احمد شوقي - الله في الخلق من صَبٍّ ومن عاني

الله في الخلق من صَبٍّ ومن عاني     تفنى القلوبُ ويبقى قلبكِ الجاني
صوني جمالكِ عنا إننا بشرٌ     من التراب ، وهذا الحسنُ روحاني
أو فابتغي فلكاً تأوينه ملكاً     لم يتخذ شركاً في العالم الفاني
يَنساب في النور مَشغوفاً بصورته     منعماً في بديعات الحلى هاني
إذا تبسم أبدى الكون زينته     وإن تنفس أهدى طيبَ ريحان
وأشرقي من سماءِ العزِّ مشرقة ً     بمنظرٍ ضاحكِ اللألاءِ فتان
عسى تَكُفُّ دموعٌ فيكِ هامِيَة ٌ     لا تطلعُ الشمسُ والأنداءُ في آن
يا من هجرت إلى الأوطان رؤيتها     فرُحْتُ أَشوقَ مُشتاقٍ لأَوطان
أَتذكرين حنيني في الزمان لها     وسَكْبِيَ الدّمعَ من تذْكارها قاني؟
وغبطي الطير ألقاه أصيح به :     ليت الكريم الذي أعطاك أعطاني ؟

احمد شوقي - قلبٌ بوادي الحمى خلفته رمقاً

قلبٌ بوادي الحمى خلفته رمقاً     ماذا صنعْتِ به يا ظبية َ البان؟
أحنى عليكِ من الكثبان ، فاتخذي     عليه مرعاكِ من قاعٍ وكثبان
غَرَّبْتِه، فَوَهَى جَنْبي لفُرقته     وحَنَّ للنازح الماسورِ جثماني
لا ردّه الله من أَسْرٍ، ومن خَبَلٍ     إذا كان في رده صحوي وسلواني
دلَّهتِه بعزيزٍ في مَحاجِره     ماضٍ ، له من مبين السحر جفنان
رمى فجعتْ على قلبي جوانحه     وفلن : سهمٌ ، فقال القلب : سهمان
يا صورة َ الحُورِ في جِلباب فانِيَة ٍ     وكوكب الصبحِ في أعطاف نسان
مُري عَصِيَّ الكرى يَغشَى مُجامَلَة ً     وسامِحي في عناق الطيفِ أَجفاني
فحسبُ خديْ من عينيَّ ما شربا     فمثل ما قد جرى لم تلق عينان

احمد شوقي - قالوا له: رُوحي فِداه

قالوا له: رُوحي فِداه     هذا التجنِّي ما مَداه؟
أَنا لم أَقُم بصدودِه     حتى يحملني نواه
تجري الأمور لغاية ٍ     إلا عذابي في هواه
سمَّيتُه بدرَ الدُّجى     ومن العجائِب لا أَراه
ودعوتُه غصنَ الرّيا     ضِ فلم أَجِدْ رَوْضاً حواه
وأَقولُ عنه: أَخو الغزا     لِ، ولا أَرى إلاَّ أَخاه
قال العواذلُ: قد جفا     ما بالُ قلبك ما جفاه ؟
أنا لو أطلعت القلبَ فيـ     ـه لم أزدْه على جواه
والنُّصحُ مُتَّهَمٌ وإن     نثرتهُ كالدرّ الشفاه
أُذُنُ الفتى في قلبه     حيناً ، وحيناً في نهاه

احمد شوقي - مقادير من جفينكِ حولنَ حاليا

مقادير من جفينكِ حولنَ حاليا     قذفت الهوى من بعد ما كنت خاليا
نفذْن عليَّ اللبَّ بالسهم مُرْسَلاً     وبالسِّحر مَقْضِيّاً، وبالسيف قاضيا
وأَلبَسْنَني ثوبَ الضَّنى فلبستُه     فأحبب به ثوباً وإن ضمّ باليا
وما الحبُّ إلا طاعة ٌ وتجاوزٌ     وإن أكثروا أوصافه والمعانيا
وما هو إلا العين بالعين تلتقي     وإن نوّعوا أَسبابَه والدَّواعيا
وعندي الهوى ، موصوفُه لا صفاتُه     إذا سألوني : ما الهوى ؟ قلت : ما بيا
وبي رَشأٌ قد كان دنيايَ حاضِراً     فغادرني أشتاقُ دنياي نائيا
سمحتُ برُوحي في هواه رخيصة ً     ومن يهو لا يؤثر على الحبِّ غاليا
ولم تَجْرِ أَلفاظُ الوشاة بريبة ٍ     كهذي التي يجري بها الدّمعُ واشِيا
أَقول لمن وَدَّعْتُ والركبُ سائرٌ:     برغم فؤادي سائرٌ واشيا
    برغم فؤادي سائرٌ بفواديا
أَماناً لقلبي من جفونِكِ في الهوى     كفى بالهوى كأْساً، وراحاً، وساقيا
ولا تجْعلِيه بين خدَّيْكِ والنوى     من الظلم أن يغدو لنارين ثاليا
ولم يَنْدملْ من طعنة القَدِّ جُرحُه     فرفقاً به من طعنة البيْن داميا

احمد شوقي - أَهلَ القُدودِ التي صالت عَوَاليها

أَهلَ القُدودِ التي صالت عَوَاليها     الله في مهجٍ طاحت غواليها
خُذْن الأَمانَ لها لو كان ينفعها     وارْدُدْنها كرَماً لو كان يُجديها
وانظرن ما فعلتْ أحداقكن بها     ما كان من عبثِ الأحدقِ بكيفها
تعرَّضت أَعينٌ مِنَّا، فعارَضَنا     على الجزيرة سرْبٌ من غَوَانيها
ما ثُرْن من كُنسٍ إلاَّ إلى كُنُسٍ     من الجوانح ضَمَّتْها حَوَانيها
عَنَّتْ لنا أُصُلاً، تُغْرِي بنا أَسَلاً     مهزوزة شكلاً ، مشروعة ً تيها
وارهفت أعيناً ضعفى حمائلها     نَشْوَى مَناصِلُها، كَحْلَى مَواضِيها
لنا الحبائلُ نُلْقِيها نَصِيدُ بها     ولم نَخَلْ ظَبَيَاتِ القاعِ تلْقيها
نصبنها لك من هدبٍ ومن حدقٍ     حتى انثنيت بنفسٍ عزَّ فاديها
من كلّ زهراءَ في إشراقها ضَحكَت     لَبّاتُها عن شبيه الدُّرِّ مِن فيها
شمي المحاسنِ يستبقى النهارُ بها     كأَن يُوشَعَ مفتونٌ يُجاريها
مَشت على الجسر رِيماً في تلفُّتها     للناظرين، وباناً في تَثَنِّيها
كان كلَّ غوانيه ضرائرها     عجباً ، وكل نواحيه مرائيها
عارضتها وضميري من محارمها     يَزْوَرُّ عن لحظاتي في مَساريها
أعفُّ من حليها عما يجاوره     ومن خلائلها عما يدانيها
قالت : لعل أديب النيلِ يحرجنا     فقلت: هل يُحرجُ الأَقمارَ رائيها
بيني وبينك أشعار هتفتُ بها     ما كنت أعلم أن الرِّيم يرويها
والقولُ إن عفّ أو ساءت مواقعه     صدى السريرة ِ والآدابِ يَحكِيها

احمد شوقي - أُداري العيونَ الفاتراتِ السَّواجيا

أُداري العيونَ الفاتراتِ السَّواجيا     وأَشكو إليها كَيْدَ إنسانِها لِيا
قتلنَ ومنين القتيلَ بألسُن     من السحر يبدلنَ المنايا أمانيا
صرحٌ على الوادي المباركِ ضاحي     متظاهرُ الأعلامِ والأوضاحِ
السحرُ من سُود العيونِ لقيُتهُ     والبابليُّ بلحظهنّ سُقِتُهُ
وكلَّمْنَ بالأَلحاظِ مَرْضَى كَليلة ً     فكانت صحاحاً في القلوب مواضيا
ضافي الجلالة كالعَتيق مُفَضّل     ساحات فضل في رِحابِ سَماحِ
    عدا فاستبدّ بعقل الصبيّ
وكأن رفرفه رواقٌ من ضحى ً     وكأن حائطه عمودُ صباحِ

الناعساتِ الموقظاتي للهوى
حببتك ذاتَ الخالِ ، والحبُّ حالة ٌ     إذا عرضت للمرءِ لم يدر ما هيا
الحقُّ خَلفَ جناحٍ استذرى به     ومَرَاشِدُ السلطانِ خلفَ جَناح
وإنك دنيا القلب مهما غدرته     أَتى لكِ مملوءاً من الوجْد وافيا

القاتلاتِ بعابثٍ في جفنه
صدودك فيه ليس يألوه جارحاً     ولفظُكِ لا ينفَكُّ للجرح آسِيا
ياسلاح العصر بُشِّرنا به     كلُّ عصر بِكَمِيٍّ وسلاح
ة َ؟ لقد لعبوا وهْيَ لم تَلْعَب     تجرِّبُ فيهم وما يعلمو
هو هيكلُ الحريّة ِ القاني، له     ما للهياكلِ من فِدًى وأَضاح
وكأَن أَحلامَ الكعاب بيوتُه     تحتَ النبالِ وصَوْبِها السَّحّاح
وبين الهوى والعذلِ للقلب موقفٌ     كخالك بينَ السيفِ وانار ثاويا
وأغنَّ أكحلَ من مَها بكفيّة     علقت محاجرُه دمي وعلقته
وبين المنى واليأس للصبر هزة ٌ     كخصركِ بين النهدِ والردفِ واهيا
يَنهارُ الاستبدادُ حولَ عراصِه     مثلَ انهيارِ الشِّركِ حولَ صَلاح
هو غرَّة ُ الأَيامِ فيه، وكلكم     مُتَحَطِّمَ الأَصنامِ والأَشباح
وعرّض بي قومي، يقولونَ: قد غوى     عدِمتُ عذولي فيكِ إن كنتُ غاويا
يَرومونَ سُلواناً لقلبي يُريحُهُ     ومن لِيَ بالسُّلْوانِ أَشريه غاليا؟
هو ما بَنَى الأعزال بالرَّاحات ، أو     هو ما بنى الشهداءُ بالأرواحُ
السلسبيلُ من الجداول وردُه     والآسُ من خضْرِ الخمائل قوتُه
أخذته مصر بكل يومٍ قاتمٍ     وَرْدِ الكواكب أَحمرِ الإصباح
وما العشق إلا لذة ٌ ثم شقوة ٌ     كما شقيَ المحمور بالسكر صاحيا
هبَّتْ سِماحاً بالحياة شبابها     والشيبُ بالأَرْمَاق غَيْرُ شحاح
ومشتْ إلى الخيل الدوَارع وانبرت     للظَّافر الشاكي بغير سلاحِ
فازور غضباناً وأعرض نافراً     حالٌ من الغيدِ الملاحِ عرفتُه
وَقَفاتُ حقٍّ لم تقفْها أُمّة ٌ     إلا انْثنتْ آمالُها بنجاح
هَزَّ الربيعِ مَنَاكِبَ الأَدواح     جعلوا المآتمَ حائطَ الأَفراحِ
    وأَبهى من الورد تحت الندى

بشرى إلى الوادي تهزُّ نَباته
تسري ملمَّحة الحجول على الرُّبى     وتسيل غُرَّتُها بكل بِطاح
قالت ترى نجمَ البيان بل     وتعرضُهم مَوكِباً موكِباً
التامتِ الأحزابُ بعدَ تَصَدُّع     لَبَّى أَذانَ الصُّلحِ أَوّلَ قائمٍ
حفظاً ولا طلبُ الجديد يفوته     وَمَشَى على الضّغْن الودادُ الماحي
وَجَرَتْ أحاديثُ العتابِ كأنها     سَمَرٌ على الأوتارِ والأقداح
إِنَّ هذا الفَتحَ لا عهدَ به     لضِفاف النيلِ من عهد فتاح
جميلٌ عليهم قشيبُ الثيا     سِ تَلَقَّى الحياة َ فلم يُنجِب
ترمي بِطرفِك في الجامِع لا ترى     غيرَ التعانُقِ واشتباكِ الراح

شمسَ النهارِ ، تعلَّمي الميزانَ من
ميلي انظُريه في النَّدِيِّ كأنّه     عثمانُ عن أُمِّ الكتابِ يُلاحي
كم تاجِ تضحية ٍ وتاج كرامة ٍ     للعين حولَ جبينه اللماح
    حقائبُ فيها الغدُ المُختَبي
والشيب منبثقٌ كنور الحقِّ من     فوديه ، أو فجرِ الهدى المِنصاحِ
    والصلحُ خُمس قواعِد لإصلاح
مَلكُ الهضابِ الشمِّ سلطانُ الرُّبى     هامُ السحاب عروشه وتُخوته
سبقَ الرجَالَ مُصافِحاً ومُعانِقاً     يمنى السّماح وهيكَلَ الإسجاح
عدلى الجليل ابن الجليل من الملا     والماجد ابن الماجد المِسماح
والأبلقُ الفردُ انتهت أوصافُه     في السُّؤدد العالي له ونُعوته
حلوُ السجيَّة في قناة ٍ مُرَّة ٍ     فمشى إليّ وليس أَوّل جؤذَرٍ
إذا رفَّ في فرعه الأَهْدب     أَهابت هِراوتُه بالرِّفا

نِ وما علِموا خَطَرَ المَرْكَب
شَتَّى فضائلَ في الرجال، كأَنها     شَتَّى سلاحٍ من قناً وصِفاح
فإذا هيَ اجتمعت لِمُلك جَبْهَة ً     كانت حصونَ مَناعة ٍ ونِطاح
الله أَلَّف للبلاد صدورَها     من كل داهية ٍ وكل صُراح
وكأن أيامَ الشباب ربوعُه     وكأن احلامَ الكعاب بيوتُه
وتكاد الطيرُ من خفَّته     تتعالى فيه من غير جَناح
وزراءُ مملكة ٍ، دَعائِمُ دولَة ٍ     أعلامُ مُؤتَمَرٍ ، أسودُ صَباحِ
يَبنون بالدستورِ حائطَ مُلْكِهم     لا بالصِّفاحِ ولا على الأَرْماحِ
وجَوَاهرُ التيجانِ ما لم تُتَّخَذْ     من مَعدِنِ الدستورِ غيرُ صِحاح
احتل حِصْنَ الحقّ غيرُ جنودِهِ     وتكالبت أَيْدٍ على المفتاحِ
هناك، وفي جُنْدِها الأَغلب     لبنانُ في ناديكمو عظمتُه
قد زاني إقبالكم وقبولُكم     شرفاً على الشرف الذي أوليته
القاتلاتِ بعابثٍ في جَفنه     واسْتوْحَشَتْ لِكُماتِها النُّزّاحِ
هُجرَت أرائكُهُ ، وعُطِّلَ عودُه     وخلا من الغادين والرُّوّاحِ
تاجُ النيابة في رفيع رءُوسكم     تؤلِّفهُم في ظِلال الرخا
لُبنانُ دارَتُه وفيه كِناسُه     كالغارِ من شرفٍ وسمتِ صلاح
قلْ للبنين مقالَ صدقٍ، واقْتَصِدْ     ذَرْعُ الشباب يضيق بالنَّصّاحِ

حنن أفلحنا على الأرض بكم
أنتم بنو اليوم العصيب، نشأتمو     في قَصْفِ أَنواءٍ، وعَصْف رياحِ
وشهدتمُ صَدْعَ الصفوفِ وما جَنَى     من أَمْر مُفْتاتٍ ونَهْي وَقاحِ
صوتُ الشعوب من الزئير مُجمَّعاً     فإذا تفَرَّقَ كان بعضَ نُباحِ
أَظْمَتْكُمُ الأَيامُ، ثم سقتكمُ     رنقاً من الإحسانِ غيرَ قراحِ
وإذا مُنِحْتَ الخيرَ من مُتَكَلِّفٍ     ظَهَرَتْ عليه سجيَّة ُ المناحِ
تركتمو مثلَ المَهيضِ جناحُه     لا في الحبال ، ولا طليق سَراحِ
مَنْ صَيَّرَ الأَغلالَ زَهْرَ قَلائدٍ     وكسا القيودَ محاسنَ الأَوضاح؟
إن التي تبغون، دون منالِها     طولُ اجتهادٍ ، واضطرادُ كِفاحِ
سروا إليها بالأناة طويلة     إن الأَناة َ سبيلُ كلِّ فلاح
وخذوا بناءَ المُلكِ عن دستوركم     إن الشِّراعَ مُثَقِّفُ الملاَّح
يا دارَ محمودٍ، سَلِمتِ، وبورِكت     أَركانُكِ الهرميَّة ُ الصُّفَّاح
وازددت من حسنِ الثناءِ وطيبه     حجراً هو الدُّرِّيُّ في الأَمداح
الأُمة ُ انتقلتْ إليك ، كأنمَا     أنزلتِها من بيتها بنجاح
بركاتُ شيخٍ بالصعيد مُحمَّل     عِبْءَ السنينَ مُؤمَّلٍ نفّاح
بالأمس جادَ على القضية ِ بابنه     واليومَ آواها بأَكْرَم ساح

احمد شوقي - نَحْلَة ً عَنَّتْ وطَنَّتْ في الرياح

نَحْلَة ً عَنَّتْ وطَنَّتْ في الرياح
واملأ رماحاً غورَها ونَجْدَها     وافتح أُصول النيل واستردَّها
    غمرة ً أودت بخوَّاض الغُمر؟
أين نابليون؟ ما غاراته؟     سلطانَها، وعزَّها، ورَغْدَها
    نم طويلاً ، قد تَوَسَّدْتَ الزَّهَر
راكبَ البحرِ ، مواجٌ ما ترى ؟     أم كتاب الدهرِ أم صُحفُ القدر؟
    قَلَمِ القُدرة ِ فيها ما سطِر
ههُنا تمشي الجواري مَرَحاً     واصرفْ إلينا جَزْرَها ومَدَّها
انظر الفلكَ : أمنها أثرٌ ؟     هكذا الدنيا إذا الموتُ حَضَر
فأَرسلتْ دُهاتَها ولُدَّها     ضاق عنك السعدُ ، أو ضاق العُمُر
لا تقولوا شاعر الوادي غَوَى     مَنْ يًغالطْ نفسهَ لا يعتبر
    بَيِّنٌ فيها سبيلُ المعتْذِر
كجياد السَّبْقِ ، لن تُغنيها     أدواتُ السبقِ ما تغنى الفِطَر
ضربتها وهْي سرٌ في الدُّجى     ليس دونَ اللهِ تحت الليلِ سرّ

احمد شوقي - يجري بأمرٍ ، أو يدور بضدِّه

يجري بأمرٍ ، أو يدور بضدِّه     لا النقضُ يُعجزه، ولا الإمرار
    تسحَبُ الفولاذ في مُلْتَطِمٍ
سُدِلَ الستارُ ، وهل شَهِدْتَ رواية ً     لم يعترضها في الفصول ستار؟
    وعدَتْ فما حَوَتْ المدى الأَوطار
هو ينبوعُ البيانِ المنفَجِر     سُورٌ، ومن عِلْم الزمان إطار
وحضارة ٌ من منطق الوادي لها     أصلٌ ، ومن أدب البلاد نِجار
أعمى هوى الوطن العزيز عصابة     وأَتى الأَهرامَ من أُمِّ الحُجَر
يا سوءَ سُنَّتِهم وقُبحَ غُلُوِّهم     لا تقولوا: شاعرُ الوادي غَوَى
    انظر الفُلْكَ أَمِنْهَا أَثرٌ؟
غابة ٌ تجري بسلطان الشَّرَى     أَين وادي الطَّلْحِ واللاَّئي به
لَقِيَ الرجالُ الحادثاتِ بصبرهم     حتى انجلَتْ غُمَمٌ لها وغِمار
الحقُّ أبلجُ ، والكنانة ُ حُرَّة ٌ     والعزُّ للدستور والإكبارُ
بنيانُ آباءٍ مشوا بسلاحهم     وبَنينَ لم يجدوا السلاحَ فثارو
لُجَجُ الدَّأْماءِ أَوطانٌ لكم     ومن المشانق والسجون جدار

يجرون بالرفق الأُمورَ وفُلْكها

الأُمة ُ انتلَفَتْ، ورَصَّ بناءها
    عنها ، ولا تتناعس الأظفار
آية ً جانِبُه المُرْخَى السُّتُر     رَضَع الأَخلاقَ من أَلبانها
    نَشَأَ النيلِ، إليكم سِيرة
    ومن القُدْوَة ِ ما تُوحِي الصُّوَر

احمد شوقي - قل لرجالِِ: طغى الأسير

قل للرجالِِ: طغى الأسير     طيرُ الحِجالِ متى يَطيرْ؟
أوهى جناحيه الحديـ     ـدُ، وحَزَّ ساقَيْهِ الحرير
ذهب الحجاب بصبره     وأَطال حيْرتَه السُّفور
هل هُيِّئَتْ دَرَجُ السما     ء له، وهل نُصَّ الأثير؟
وهل استمرَّ به الجَنا     حُ، وَهَمَّ بالنَّهْض الشكير؟
وسما لمنزله من الد     نيا، ومنزلُه خطير؟
ومتى تُساس به الريا     ضُ كما تُساس به الوكور؟
أوَكُلُّ ما عند الرجا     لِ له الخواطبُ والمهمور؟
والسجنُ في الأَكواخ، أَو     سجنٌ يقال له: القصور؟
تالله لو أَن الأَد     يمَ جميعَه روضٌ ونور
في كلّ ظلٍّ ربوة ٌ     وبكلّ وارفة ٍ غدير
وعليه من ذَهبٍ سيا     جٌ ، أو من الياقوت سور
ما تَمَّ من دون السما     ءِ له على الأرض الحُبور
انّ السماءَ جديرة ٌ     بالطير ، وهو بها جدير
هي سرجُهُ المشدودُ ، وهـ     ووضعْتَه، وعلمْتَ أَن
يتعايا بجناحٍ وَيَنوءْ     بجناح مُذْ وَهَى ما صلحا
حُرِّيَّة ٌ خُلِق الإنا     ث لها ، كلما خلق الذكور
هاجَتْ بناتِ الشعرِ عيـ     ـنٌ من بنات النيل حُور
لي بينهن ولائدٌ     هم من سواد العين نور
لا الشعرْ يأْتي في الجما     ن بمثلهن ، ولا الجور
من أَجلهن أَنا الشفيـ     ـقُ على الدُّمَى ، وأَنا الغيور
أَرجو وآمل أَن ستجـ     ـري بالذي شِئنَ الأُمور
يا قاسم، انظر: كيف سا     ر الفكرُ وانتقل الشعور؟

من كلِّ ناحية لها أَوكار
جابت قضيَّتُكَ البلا     دَ، كأَنها مَثَلٌ يسير

رحمة ُ اللهِ له! هل عَلمِا
ما الناسُ إلا أوَّلٌ     يمضي فيخلُفه الأَخير
الفكرُ بينهما على     بُعْدِ المَزارِ هو السفير
هذا البناءُ الفخمُ ليـ     ـس أساسهُ إلا الحَفير

حتى كأَنك للعناية جار
إن التي خلَّفْتَ أَمـ     ـسِ، وما سِواكَ لها نصير
نهض الخفيُّ بشْنها     وسعى لخدمتها الظهير
في ذمة الفُضْلَى هدى     جِيلٌ إلى هاد فقير
ناحَ إذ جَفناشَ في أَسرِ النجومْ     قَدَرٌ على يُمْنَى يَدَيْهِ سلامة ٌ
أقبلنَ يسأَلْنَ الحضا     رة َ ما يُفيد وما يَضير
ما السُّبْلُ بَيِّنَة ٌ، ولا     كلُّ الهُداة ِ بها بصير
ما في كتابِكَ طَفْرَة ٌ     تُنْعى عليكَ، ولا غرور
هَذَّبْتَه حتى استقامت     من خلائقك السطور
    حسابَ واضعِه عسير
لك في مسائله الكلا     مُ العفُ والجدلُ الوَقور
ولك البيانُ الجذلُ في     أَثنائه العلمُ الغزير
في مطلبٍ خَشنٍ، كثـ     ـيرٌ في مَزالقه العُثور
ما بالكتاب ولا الحديـ     ـث إذا ذكرْتَهُما نكير
حتى لَنسأَلُ: هل تَغارُ     رُ على العقائد ، أم تُغير؟
عشرون عاماً من زوا     لك ما هي الشيءُ الكثير
رُعْنَ النساءَ، وقد يَرُو     عُ المُشْفِقَ الجلَلُ اليسير
فَنَسِينَ أَنك كالبدو     ر، ودونَ رِفعتِكَ البُدور
تفنى السِّنون بها، وما     آجالها إلا شهور
لقد اختلفنا، والمُعا     شِرُ قد يخالفه العَشير
في الرأي، ثُمَّ أَهاب بي     وبك المُنادِمُ والسَّمير
ومحا الرَّ,َاخُ الى مغا     ني الودِّ ما اقترف البُكور
ثم خان التاجُ وُد المفْرِِ     ونبَتْ بالأَنْجُمِ الزُّهْرِ الديارْ
في الرأْي تَضْطَغِنُ العقو     لُ وليس تضطغن الصدور
قل لي بعيشِك: أَين أَنـ     ـت؟ وأَين صاحبُك الكبير؟
أين الإمام ؟ وأين إسـ     ـماعيلُ والملأُ المنير؟
لما نزلتم في الثرى     تاهت على الشهب القبور
عصر العباقرة ِ النجو     مِ بنوره تمشي العصور
خضبَ الجند به الأرضَ دما     وقلوبُ الجندِ كالصخرِ القسي
نزل الناجي على حكم النوى     وتوارى بالسرى من طالبيه
    بانٍ، ولم يُدركهُمُ حَفَّار
للبأْس فيه، ولا الأَسِنَّة ُ دار     من أخي صيدٍ رفيقٍ مرس ؟
ناقلاتٍ في العبير القدما     واطئاتٍ في حبير السُّنْدُسِ
وسيلقى حينهُ نسرُ السما     يوم تطوى كالكتاب الدرس

أَم فتية ٌ ركبوا الجناح فطاروا؟

احمد مطر - حديث الحمام

حدّث الصياد أسراب الحمام
قال: عندي قفصٌ أسلاكه ريش نعام
سقفه من ذهب
و الأرض شمعٌ و رخام.
فيه أرجوحة ضوء مذهلة و زهورٌ بالندى مغتسلة.
فيه ماءٌ و طعامٌ و منام
فادخلي فيه و عيشي في سلام .
قالت الأسراب : لكن به حرية معتقلة.
أيها الصياد شكراً…
تصبح الجنة ناراً حين تغدو مقفلة !
ثم طارت حرةً ،
لكن أسراب الأنام حينما حدثها بالسوء صياد النظام
دخلت في قفص الإذعان حتى الموت…
من أجل وسام !

احمد مطر - تشخيص

من هناك ؟
لا تخف.. إني ملاك.
- اقترب حتى أرى… لا، لن تراني
بل أنا وحدي أراك.
- أيّ فخرٍ لك يا هذا بذاك ؟!
لست محتاجاً لأن تغدو ملاكاً
كي ترى من لا يراك.
عندنا مثلك آلاف سواك !
إن تكن منهم فقد نلت مناك
أنا معتادٌ على خفق خطاك.
و أنا أسرع من يسقط سهواً في الشباك
و إذا كنت ملاكاً
فبحق الله قل لي
أيّ شيطان إلى أرض الشياطين هداك ؟!

احمد مطر - لن تموت

لن تموت لا… لن تموت أمتي
مهما إ كتوت بالنار و الحديد.
لا… لن تموت أمتي
مهما إ د عى المخدوع والبليد .
لا… لن تموت أمتي
كيف تموت ؟
من رأى من قبل هذا ميتاً
يموت من جديد ؟

احمد مطر - درس في الإملاء

كتب الطالب : ( حاكِمَنا مُكـْتأباً يُمسي
و حزيناً لضياع القدس ) .
صاح الأستاذ به: كلاّ … إنك لم تستوعب درسي .
إ رفع حاكمنا يا ولدي
و ضع الهمزة فوق ) الكرسي ( .
هتف الطالب : هل تقصدني … أم تقصد عنترة ا لعــبسـي ؟!
أستوعبُ ماذا ؟! و لماذا ؟!
د ع غيري يستوعب هذا
واتركني أستوعب نفسي .
هل درسك أغلى من رأسي ؟!

احمد مطر - وسائل النجاة

و قاذفات الغرب فوقي
و حصار الغرب حولي
و كلاب الغرب دوني .
ساعدوني ما لذي يمكن أن أفعل
كيلا يقتلوني ؟!- أنبذ الإرهاب…
ملعونٌ أبو الإرهاب..
( أخشى يا أخي أن يسمعوني! )
أي إرهاب ؟!
فما عندي سلاح غير أسناني
و منها جردوني !
- لم تزل تؤمن بالإسلام
كلا … فالنصارى نصّروني .
ثم لما اكتشفوا سر ختاني … هودوني !
و اليهود إ ختبر وني ثم لما اكتشفوا طيبة قلبي
جعلوا ديني ديوني .
أيّ إسلام ؟
أنا "نَصَرا يهُوني "
- لا يزال اسمك " طه "… لا… لقد أصبحت " جـو ني " !
- لم تزل عيناك سوداوين …
لا … بالعدسات الزرق أبدلت عيوني …
- ربما سحنتك السمراء كلا… صبغوني
- لنقل لحيتك الكثّة … كلا …
حلقوا لي الرأس و اللحية و الشارب،
لا… بل نتفوا لي حاجب العين و أهداب الجفون !
- عربيٌ أنت.
No, don't be Silly, they
ترجموني !
- لم يزل فيك دم الأجداد !!
ما ذنبي أنا ؟ هل بإ ختيا ري خلّفوني ؟
- دمهم فيك هو المطلوب ، لا أنت…
فما شأنك في هذي الشؤون ؟
قف بعيداً عـنهـما…
كيف، إذن، أضمن ألاّ يذبحوني ؟!
- إ نتحر أو مُتْ
أو استسلم لأنياب المنون !

احمد مطر - فتوى أبي العينين

يا أبا العينين…ما فتواك في هذا الغلام ؟
- هل دعا -في قلبه-يوماً إلى قلب النظام ؟
لا…
- و هل جاهر بالتفكير أثناء الصيام ؟
لا…
- و هل شوهد يوماً يمشي للأ مام ؟
لا…
- إذن صلّى صلاة الشافعية.
لا…
- إذن أنكر أنّ الأرض ليست كرويّة.
لا…
- ألا يبدو مصاباً بالزكام ؟
لا…
- لنفرض أنه نام
و في النوم رأى حلماً
و في الحلم أراد ا لإ بتسام.
لم ينم منذ اعتقلناه…
- إذن… متهمٌ دون إ تـها م !
بدعةٌ واضحةٌ مثل الظلام.
اقطعوا لي رأسه
لكنه قام يصلي…
- هل سنلغي ا لشرع
من أجل صلاة ابن الحرام ؟!
كل شيء و له شيء
تمام.
صدرت فتوى الإمام:
( يقطع الرأس
و تبقى جثة الوغد تصلي
آه… يا للي.
و السلام ) !

احمد مطر - حبسة حرة

إ ختفى صوتي
فراجعت طبيبي في الخفاء.
قال لي: ما فيك داء.
حبسه في الصوت لا أكثر…
أدعوك لأن تدعو عليها بالبقاء !
قَدَرٌ حكمته أنجتك من حكم ( القضاء (
حبسه الصوت
ستعفيك من الحبس
و تعفيك من الموت
و تعفيك من الإرهاق
ما بين هروبٍ و اختباء.
و على أسوأ فرض
سوف لن تهتف بعد اليوم صبحاً و مساء
بحياة اللقطاء.
باختصار…
أنت يا هذا مصابٌ بالشفاء !

احمد مطر - أربعة أو خمسة

أربعة أو خمسة
يأتون في دبابة
فيملكون وحدهم
حرية الكتابة
والحق في الرقابة
والمنع والإجابة
والأمن والمهابة
والمال والآمال
والتصويب والإصابة
وكل من دب
ولم يلق لهم أسلابه
تسحقه الدبابة

احمد مطر - منفيون

لمن نشكو مآسينا ؟
ومن يصغي لشكوانا ، ويجدينا ؟
أنشكو موتنا ذلا لوالينا ؟
وهل موت ســيحـيـيـنا ؟
قطيع نحن والجزار راعينا ،
ومنفيون نمشي في أراضينا ،
ونحمل نعشنا قسرا بأيدينا ،
ونعرب عن تعازينا لنا فينا ،
فوالينا ، أدام الله والينا ،
رآنا أمة وسطا ، فما أبقى لنا دنيا ،
ولا أبقى لنا دينا ،
ولاة الأمر : ما خنتم ، ولا هنتم ،
ولا أبديتم ا للينا ،
جزاكم ربنا خيرا ، كفيتم أرضنا بلوى أعادينا ،
وحققتم أمانينا ،
وهذي القدس تشكركم ،
ففي تنديدكم حينا ،
جدعتم أنف أمريكا
وفي تهديدكم حينا ،
سحبتم أنف أمريكا ،
فلم تنقل سفارتها ،
ولو نقلت ــ معاذ الله لو نقلت ــ لضيعنا فلسطينا ،
ولاة الأمر هذا النصر يكفيكم ، ويكفينا ،
تهانينا

احمد مطر - حصافة

حيـن رآنـي
مهمـوماً، مُنكسِـر الهمَّـةْ
قال حذائـي
هـل مازلتَ تؤمّـلُ حقّـاً
أن توقِـظَ ميتـاً بالنأْمــهْ ؟
أو أن تُشـعِلَ مـاءَ البَحـرِ
بضـوءِ النَّجْمـــةْ ؟
لا جَـدوى ...
خُـذْ منّي الحِكْمـَــةْ
فأنـا، مُنــذُ وجِـدتُ، حِـذاءٌ
ثُمّ دعاني البعضُ مَداسـاً
ثُمّ تقطّعْــتُ بلا رحمّـهْ ...
فإذا باسمـي :
جوتي، سباط، جزمـهْ
نَعْـلٌ، كندرة، مرْكـوبٌ
خـفٌّ، يمَنـيٌّ، حاط
بوتينٌ، بابـوجٌ، صُـرْمَـةْ .
وإلى آخـرِ هـذي الزّحمَـةْ
أيُّ حِـوارٍ ؟
أيُّ خُـوارٍ ؟
أيُّ حضيـضٍ ؟
أيّـةُ قِمّــةْ ؟
إنْ كنتُ أنا التّافِـهُ وحْـدي
أدخلتُ الأُمّــةَ في أزْمَــةْ
وعليَّ تفرّقـتِ الكِلْمَـةْ
فعلى أيّ قضـايا كُـبرى
يُمكِـنُ أن تتّفـقَ الأَمّــة ؟

احمد مطر - أعد قدمي ..!!

أَعِـدْ قَـدَمـي ..
لِكَـيْ أمشـي إلَيـكَ مُعَـزّياً فينـا
فَحالـي صارَ مِن حالِكْ .
أعِـدْ كَفّـي ..
لكـي أُلقـي أزا هـيـر ي
علـى أزهـارِ آمالِكْ .
أعِـدْ قَلبـي ..
لأقطِـفَ وَردَ جَـذوَتِهِ
وَأُوقِـدَ شَمعَـةً فـي صُبحِـكَ الحالِكْ !
أَعِـدْ شَـفَتي ..
لَعَـلَّ الهَـولَ يُسـعِفُني
بأن أُعطيكَ تصـويراً لأهـوالِكْ .
أَعِـدْ عَيْـني ..
لِكَـي ابكـي على أرواحِ أطفـالِكْ .
أتَعْجَـبُ أنّنـي أبكـي ؟!
نَعَـمْ .. أبكـي
لأنّـي لَم أكُـن يَـومـاً
غَليـظَ القلبِ فَـظّاً مِثـلَ أمثـالِكْ !
***
لَئِـن نَـزَلَتْ عَلَيْـكَ اليـومَ صاعِقَـةٌ
فَقـد عاشتْ جَميـعُ الأرضِ أعوامـاً
وَمـازالـتْ
وَقـد تَبقـى
على أ شفا رِ زِلزالِكْ !
وَكفُّـكَ أضْـرَمَتْ فـي قَلبِهـا نـاراً
وَلم تَشْـعُرْ بِهـا إلاّ
وَقَـد نَشِـبَتْ بأذيالِكْ !
وَلم تَفعَـلْ
سِـوى أن تَقلِبَ الدُّنيـا على عَقِـبٍ
وَتُعْقِـبَهـا بتعديـلٍ على رَدّا ت ا فعـالِكْ !
وَقَـد آ لَيْـتَ أن تَـرمـي
بِنَظـرةِ رَيْبِـكَ الدُّنيـا
ولم تَنظُـرْ، ولو عَرَضَـاً، إلى آلِـكْ !
أَتَعـرِفُ رَقْـمَ سِـروالٍ
على آلافِ أميـالٍ
وَتَجهَلُ أرْقَـماً في طـيِّ سِـروالِكْ ؟!
أرى عَيْنَيكَ في حَـوَلٍ ..
فَـذلِكَ لـو رمـى هـذا
تَرى هـذا وتَعْجَبُ لاسـتغاثَتـهِ
ولكنْ لا تـرى ما قـد جَنـى ذلِـكْ !
ا ر ى كَفَّيْـكَ في جَـدَلٍ ..
فواحِـدَةٌ تَـزُفُّ الشَّمـسَ غائِبَـةً
إلـى الأعمـى !
وواحِـدَةٌ تُغَطِّـي الشَّمـسَ طالِعةً بِغِـربالِكْ !
وَمـا في الأمـرِ أُحجِيَـةٌ
وَلكِنَّ العَجائِبَ كُلَّهـا مِن صُنْـعِ مِكيـالِكْ !
***
بِفَضْـلِكَ أسـفَرَ الإرهـابُ
نَسّـاجاً بِمِنـوالِكْ
و َمعـتاشا بأمـوالِكْ
وَمَحْمِيّـاً بأبطالِكْ .
فَهل عَجَـبٌ
إذا وافاكَ هـذا اليـومَ مُمْتَنّـاً
لِيُـرجِعَ بَعضَ أفضـالِكْ ؟!
وَكَفُّكَ أبدَعَتْ تِمثـال( مـيـد و ز ا(
وتَـدري جَيِّـداً أنَّ الّذي يَرنـو لَـهُ هـالِكْ
فكيفَ طَمِعتَ أن تَنجو
وَقَـد حَـدَّقتَ في أحـداقِ تِمثالِكْ ؟!
خَـرابُ الوضـعِ مُختَصَـرٌ
بِمَيْـلِ ذِراعِ مِكيـالِكْ .
فَعَـدِّلْ وَضْـعَ مِكيالِكْ .
ولا تُسـرِفْ
و إلاّ سَـوفَ تأتـي كُـلُّ بَلبَلَـةٍ
بِمـا لَم يأتِ فـي بالِكْ !
***
إذا دانَتْ لَكَ الآفـاقُ
أو ذَلَّـتْ لَكَ الأعنـاقُ
فاذكُـرْ أيُّهـا العِمـلاقُ
أنَّ الأرضَ لَيْسـتْ دِرْهَمـاً في جَيْبِ بِنطـا لِكْ .
وَلَو ذَلَّلتَ ظَهْـرَ الفِيلِ تَذليـلاً
فأن بعوضةً تكفي ... لإذلالك

احمد مطر - لافتة الكبش

الكبش تظلّم للراعي
ما دمت تفكر
في بيعي
فلماذا ترفض
إشباعي؟
قال له الراعي:
ما الداعي؟
كل رعاة بلادي مثلي
وأنا لا أشكو و أ داعي.
إ حسب نفسك
ضمن قطيعٌ عربي
وأنا الإقطاعي!

احمد مطر - من أين أنت سيدي ؟

في بقعة منسية
خلف بلاد الغال
قال لي الحمال:
من أين أنت سيدي؟
فوجئت بالسؤال
أوشكت أن أكشف عن عروبتي،
لكنني خجلت أن يقال
بأنني من وطن تسومه البغال
قررت أن أحتال
قلت بلا تردد:
أنا من الأدغال
حدق بي منذهلا
وصاح بانفعال:
حقا من الأدغال؟!
قلت: نعم
فقال لي:
من عرب الجنوب.. أم
من عرب الشمال؟!

احمد مطر - عائدون

هرم الناس وكانوا يرضعون،
عندما قال المغني عائدون،
يا فلسطين وما زال المغني يتغنى،
وملايين ا للـحـو ن،
في فضاء الجرح تفنى،
واليتامى من يتامى يولدون،
يا فلسطين وأرباب النضال المدمنون،
ساءهم ما يشهدون،
فمضوا يستنكرون،
ويخوضون ا لنضا لات على هز القنا ني
وعلى هز البطون،
عائدون،
ولقد عاد الأسى للمرة الألف،
فلا عدنا ولاهم يحزنون!

احمد مطر - إهانة

رأتِ الدول الكبرى تبديل الأدوارْ
فأقرّت إعفاء الوالي
واقترحت تعيينَ حِمارْ!
ولدى توقيع الإقرار ْ نهقتْ كلُّ حمير الدنيا باستنكارْ:
نحن حميرَ الدنيا لا نرفضُ أن نُتعَبْ
أ و أ ن نُركَبْ أو أن نُضربْ أو حتى أن نُصلبْ
لكن نرفضُ في إصرارْ أن نغدو خدماً للاستعمارْ.
إن حُمو ر يـتنا تأبى أن يلحقنا هذا العارْ!