Pages

Thursday, January 17, 2013

محمود درويش - مطر ناعم في خريف بعيد

مطر ناعم في خريف بعيد
و العصافير زرقاء.. زرقاء
و الأرض عيد.
لا تقولي أنا غيمة في المطار
فأنا لا أريد
من بلادي التي سقطت من زجاج القطار
غير منديل أمي
و أسباب موت جديد .
مطر ناعم في خريف غريب
و الشبابيك بيضاء.. بيضاء
و الشمس بيّارة في المغيب
و أنا برتقال سلّيب،
فلماذا تفرين من جسدي
و أنا لا أريد
من بلاد السكاكين و العندليب
غير منديل أمي
و أسباب موت جديد.
مطر ناعم في خريف حزين
و المواعيد خضراء.. خضراء
و الشمس طين
لا تقولي رأيناك في مصرع الياسمين
كان وجهي مساء
و موتى جنين.
و أنا لا أريد
من بلادي التي نسيت لهجة الغائبين
غير منديل أمي
و أسباب موت جديد
مطر ناعم في خريف بعيد
و العصافير زرقاء.. زرقاء
و الأرض عيد .
و العصافير طارت إلى زمن لا يعود
و تريدين أن تعرفي وطني
و الذي بيننا
_وطني لذة في القيود
_قبلتي أرسلت في البريد
و أنا لا أريد
من بلادي التي ذبحتني
غير منديل أمي
و أسباب موت جديد ..

محمود درويش - قاع المدينة

عشرون أغنية عن الموت المفاجيء
كل أغنية قبيلة
و نحب أسباب السقوط
على الشوارع..
كل نافذة خميلة.
و الموت مكتمل ،
قفي ملء الهزيمة يا مدينتنا النبيلة
في كلّ موت كان موتي
حالة أخرى..
بديلا كان للغة الهزيلة
(و العائدون من الجنازة عانقوني
كسّروا ضلعين
و انصرفوا
ومن عاداتهم أن يكذبوا
لكنّني صدقّتهم
و خرجت من جلدي
لأغرق في شوارعك القتيلة )
تتفجرين الآن برقوقا
و أنفجر اعترافا جارحا بالحبّ:
لولا الموت
كنت حجارة سوداء
كنت يدا محنّطة نحيلة
لا لون للجدران،
لولا قطرة الدم
لا ملامح للدروب المستطيلة
(و العائدون من الجنازة عانقوني
كسّروا ضلعين ..
و انصرفوا..
و من عاداتهم أن يسأموا
لكنهم كانوا يريدون البقاء ..
خرجت من جلدي
و قابلت الطفولة).
قد صار للإسمنت نبض فيك
صار لكل قنطرة جديلة
شكرا_ صليب مدينتي
شكرا..
لقد علّمتنا لون القرنفل و البطولة
يا جسرنا الممتدّ من فرح الطفولة_
يا صليب_ إلى الكهولة
الآن،
نكتشف المدينة فيك
آه.. يا مدينتنا الجميلة !..

محمود درويش - لوحة على الجدار

و نقول الأن أشياء كثيرة
عن غروب الشمس في الأرض الصغيرة
و على الحائط تبكي هيروشيما
ليلة تمضي، و لا نأخذ من عالمنا
غير شكل الموت
في عز الظهيرة .
..و لعينيك زمان آخر
و لجسمي قصة أخرى
و في الحلم نريد الياسمين،
عندما وزّعنا العالم من قبل سنين
كانت الجدران تستعصي على الفهم
و كان الأسبرين
يرجع الشبّاك و الزيتون و الحلم إلى أصحابه
كان الحنين
لعبة تلهيك عن فهم السنين
..و نقول الآن أشياء كثيرة
عن ذبول القمح في الأرض الضغيرة
و على الحائط تبكي هيروشيما
خنجرا يلمح كالحق، و لا نأخذ عن عالمنا
غير لون الموت
في عز الظهيرة..
في اشتعال القبلة الأولى
يذوب الحزن
و الموت يغني
و أنا لا أحزن الأن
و لكني أغني
أي جسم لا يكون الآن صوتا
أي حزن
لا يضم الكرة الأرضية الآن
إلى صدر المغني ؟!
..و نقول الآن أشياء كثيره
عن عذاب العشب في الأرض الصغيرة
و على الحائط تبكي هيروشيما
قبلة تنسى،ن و لا نأخذ من عالمنا
غير طعم الموت
في عزّ الظهيرة..
ألف نهر يركض الآن
و كل الأقوياء
يلعبون النرد في المقهى،
و لحم الشهداء
يختفي في الطين أحيانا
و أحيانا يسلي الشعراء!
و أنا يا امرأتي أمتصّ من صمتك
في الليل.. حليب الكبرياء!
..و نقول الآن أشياء كثيره
عن ضياع اللون في الأرض الصغيرة
و على الحائط تبكي هيروشيما
طفلة ماتت. و لا نأخذ من عالمنا
غير صوت الموت
في عز الظهيرة..

محمود درويش - الأغنية و السلطان

لم تكن أكثر من وصف.. لميلاد المطر
و مناديل من البزق الذي يشعل أسرار الشجر
فلماذا قاموها؟
حين قالت إن شيئا غير هذا الماء
يجري في النّهر؟
و حصى الوادي تماثيل، و أشياء أخر
و لماذا عذبوها
حين قالت إن في الغابة أسرارا.
و سكينا على صدر القمر
ودم البلبل مهدور على ذاك الحجر؟
و لماذا حبسوها
حين قالت: و طني حبل عرق
و على قنطرة الميدان إنسان يموت
و ظلام يحترق ؟
غضب السلطان
و السلطان مخلوق خيالي
قال: إن العيب في المرآة ،
فليخلد إلى الصمت مغنيكم، و عرشي
سوف يمتد
من النيل إلى نهر الفرات !
أسجنوا هذي القصيدة
غرفة التوقيف
خير من نشيد.. و جريدة
أخبروا السلطان،
أن الريح لا تجرحها ضربة سيف
و غيوم الصيف لا تسقي
على جدرانه أعشاب صيف
و ملايين من الأشجار
تخضر على راحة حرف !
غضب السلطان، و السلطان في كل الصور
و على ظهر بطاقات البريد
كالمزامير نقيّ و على جبهته وشم العبيد ،
ثم نادى.. و أمر :
أقتلوا هذي القصيدة
ساحة الإعدام ديوان الأناشيد العنيده!
أخبروا السلطان،
أن البرق لا يحبس في عود ذره
للأغاني منطق الشمس ،و تاريخ الجداول
و لها طبع الزلازل
و الأغاني كجذور الشجرة
فإذا ماتت بأرض،
أزهرت في كل أرض
كانت الأغنية الزرقاء فكره
حاول السلطان أن يطمسها
فغدت ميلاد جمره!
كانت الأغنية الحمراء جمره
حاول السلطان أن يحبسها
فإذا بالنار ثوره!
كان صوت الدم مغموسا بلون العاصفة
و حصى الميدان أفواه جروح راعفه
و أنا أضحك مفتونا بميلاد الرياح
عندما قاومني السلطان
أمسكت بمفتاح الصباح
و تلمست طريقي بقناديل الجراح
آه كم كنت مصيبا
عندما كرست قلبي
لنداء العاصفة
فلتهبّ العاصفة!
و لتهبّ العاصفة!

محمود درويش - أحبك أكثر ..

تكبّر.. تكبرّ!
فمهما يكن من جفاك
ستبقى، بعيني و لحمي، ملاك
و تبقى، كما شاء لي حبنا أن أراك
نسيمك عنبر
و أرضك سكر
و إني أحبك.. أكثر
يداك خمائل
و لكنني لا أغني
ككل البلابل
فإن السلاسل
تعلمني أن أقاتل
أقاتل.. أقاتل
لأني أحبك أكثر!
غنائي خناجر ورد
و صمتي طفولة رعد
و زنيقة من دماء
فؤادي،
و أنت الثرى و السماء
و قلبك أخضر..!
و جزر الهوى، فيك، مدّ
فكيف، إذن، لا أحبك أكثر
و أنت، كما شاء لي حبنا أن أراك:
نسيمك عنبر
و أرضك سكر
و قلبك أخضر..!
وإنّي طفل هواك
على حضنك الحلو
أنمو و أكبر !

محمود درويش - الموعد

لم تزل شرفة.. هناك
في بلادي، ملوحة
ويد تمنح الملاك
أغنيات، و أجنحة
العصافير أم صداك
أم مواعيد مفرحة
قتلتني.. لكي أراك؟!
وطني! حبنا هلاك
و الأغاني مجرحة
كلما جاءني نداك
هجر القلب مطرحه
و تلاقى على رباك
بالجروح المفتحه
لا تلمني ففي ثراك
أصبح الحب.. مذبحة!

محمود درويش - رد فعل

و طني! يعلمني حديد سلاسلي
عنف النسور، ورقة المتفائل
ما كنت أعرف أن تحت جلودنا
ميلاد عاصفة.. و عرس جداول
سدّوا عليّ النور في زنزانة
فتوهّجت في القلب..شمس مشاعل
كتبوا على الجدران رقم بطافتي
فنما على الجدران.. مرج سنابل
رسموا على الجدران صورة قاتلي
فمحت ملامحها ظلال جدائل
و حفرت بالأسنان رسمك داميا
و كتبت أغنية العذاب الراحل
أغمدت في لحم الظلام هزيمتي
و غرزت في شعر الشموس أناملي
و الفاتحون على سطوح منازلي
لم يفتحوا إلا وعود زلازلي!
لن يبصروا إلاّ توهّج جبهتي
لن يسمعوا إلاّ صرير سلاسلي
فإذا احترقت على صليب عبادتي
أصبحت قديسا.. بزيّ مقاتل

محمود درويش - وطن

علّقوني على جدائل نخلة
واشنقوني.. فلن أخون النخله!
هذه الأرض لي.. و كنت قديما
أحلب النوق راضيا و موله
وطني ليس حزمة من حكايا
ليس ذكرى، و ليس حقل أهلّه
ليس ضوءا على سوالف فلّة
وطني غضبة الغريب على الحزن
وطفل يريد عيدا و قبلة
ورياح ضاقت بحجرة سجن
و عجوز يبكي بنيه.. و حقله
هذه الأرض جلد عظمي
و قلبي..
فوق أعشابها يطير كنخلة
علقوني على جدائل نخلة
و اشنقوني فلن أخون النخلة !

محمود درويش - لا مفر

مطر على أشجاره و يدي على
أحجاره، و الملح فوق شفاهي
من لي بشبّاك يقي جمر الهوى
من نسمة فوق الرصيف اللاهي؟
وطني !عيونك أم غيوم ذوّبت
أوتار قلبي في جراح إله!
هل تأخذن يدي؟ فسبحان الذي
يحمي غريبا من مذلة آه
ظلّ الغريب على الغريب عباءة
تحمل من لسع الأسى التيّاه
هل تلقينّ على عراء تسولي
أستار قبر صار بعض ملاهي
لأشمّ رائحة الذين تنفّسوا
مهدي.. و عطر البرتقال الساهي
وطني! أفتّش عنك فلا أرى
إلاّ شقوق يديك فوق جباه
وطني أتفتح في الخرائب كوه ؟
فالملح ذاب على يدي و شفاهي
مطر على الإسفلت، يجرفني إلى
ميناء موتانا.. و جرحك ناه

محمود درويش - جبين و غضب

وطني يا أيّها النسر الذي يغمد منقاره اللهب
في عيوني،
أين تاريخ العرب؟
كل ما أملكه في حضرة الموت:
جبين و غضب.
و أنا أوصيت أن يزرع قلبي شجرة
و جبيني منزلا للقبّرة.
وطني، إنّا ولدنا و كبرنا بجراحك
و أكلنا شجر البلّوط..
كي نشهد ميلاد صباحك
أيّها النسر الذي يرسف في الأغلال من دون سبب
أيّها الموت الخرافي الذي كان يحب
لم يزل منقارك الأحمر في عينّي
سيفا من لهب..
و أنا لست جديرا بجناحك
كل ما أملكه في حضرة الموت:
جبين.. و غضب !

محمود درويش - إلى ضائعة

إذا مرت على وجهي
أنامل شعرك المبتل بالرمل
سأنهي لعبتي.. أنهي
و أمضي نحو منزلنا االقديم
على خطى أهلي
و أهتف يا حجارة بيتنا1 صلّى !
إذا سقطت على عيني
سحابة دمعة كانت تلف عيونك السوداء
سأحمل كل ما في الأرض من حزن
صليبا يكبر الشهداء
عليه و تصغر الدنيا
و يسقي دمع عينيك
رمال قصائد الأطفال و الشعراء!
إذا دقّت على بابي
يد الذكرى
سأحلم ليلة أخرى
بشاعرنا القديم و عودة الأسرى
و أشرب مرة أخرى
بقايا ظلك الممتد في بدني
و أومن أن شباكا
ضغيرا كان في وطني
يناديني و يعرفني
و يحميني من الأمطار و الزمن

محمود درويش - لا تتركيني

وطني جبينك، فاسمعيني
لا تتركيني
خلف السياج
كعشبة برية ،
كيمامة مهجورة
لا تتركيني
قمرا تعيسا
كوكبا متسولا بين الغصون
لا تتركيني
حرا بحزني
و احبسيني
بيد تصبّ الشمس
فوق كوى سجوني ،
وتعوّدي أن تحرقيني،
إن كنت لي
شغفا بأحجاري بزيتوني
بشبّاكي.. بطيني
وطني جبينك، فاسمعيني
لا تتركيني!

محمود درويش - يوم

منذ الظهيرة، كان وجه الأفق
مثل جبينك الوهميّ ،يغطس في الضباب
و الظلّ يجمد في الشوارع
مثل وقفتك الأخيرة عند بابي
و خطاك تعبر، في مكان ما، كهمس في اغترابي!
يا أيّها اليوم المسافر في الرمال
أتكن لي بعض المودة؟!
الظل يسند جبهتي
و الأفق يشرب من نبيذ الشمس
ما شربت يدي،
في ذات يوم،
من ضفائر شعرك المشدود في جرح الغد
و الظل يشربني كما شربت عيونك
ضوء آخر موعد
يا أول الليل الذي اشتعلت يداه برتقال
أتكنّ لي بعض المودّة؟؟
الباب يغلق مرة أخرى، ووجهك ليس يأتي
و أنا و أنت مسافران.. و لا جئان، أنا و أنت
ماذا تسر لك الكوكب؟.. إنها من دون بيت؟
لا تسمعيها!
كان فحم الليل يرسمها على تمثال صمت
و أنا و أنت ،أنا و أنت
شفتا حنين كان ملح الانتظار طعامنا
و صداك صوتي
و الباب يغلق مرة أخرى، ووجهك ليس يأتي
يا ليل، يا فرس الظلال..
أتكن لي بعض المودّة؟؟

محمود درويش - السجين و القمر

في آخر الليل التقينا تحت قنطرة الجبال
منذ اعتقلت، و أنت أدرى بالسبب
الآنّ أغنية تدافع عن عبير البرتقال
و عن التحدي و الغضب
دفنوا قرنفلة المغني في الرمال؟
علمان نحن، على تماثيل الغيوم الفستقية
بالحب محكومان، باللون المغني؟
كلّ الليالي السود تسقط في أغانينا ضحية
و الضوء يشرب ليل أحزاني و سجني
فتعال، ما زالت لقصتنا بقية!
سأحدث السّجان، حين يراك
عن حب قديم
قلربما وصل الحديث بنا إلى ثمن الأغاني
هذا أنا في القيد أمتشق النجوم
و هو الذي يقتات، حرا من دخاني
و من السلاسل و الوجوم!
كانت هويتنا ملايينا من الأزهار،
كنا في الشوارع مهرجان
الريح منزلنا،
وصوت حبيبتي قبل.
و كنت الموعدا
لكنهم جاؤوا من المدن القديمة
من أقاليم الدخان
كي يسحبوها من شراييني،
فعانقت المدى.
و الموت و الميلاد في وطني المؤله توأمان!
ستموت يوما حين تغنينا الرسوم عن الشجر
و تباع في الأسواق أجنحة البلابل
و أنا سأغرق في الزحام غدا، و أحلم بالمطر
و أحدث السمراء عن طعم السلاسل
و أقول موعدنا القمر!

محمود درويش - عيون الموتى على الأبواب

مروا على صحراء قلبي ،نحاملين ذراع نخلة
مرّوا على زهر القرنفل، تاركين أزير نحلة
و على شبابيك القرى رسموا، بأعينهم أهله
و تبادلوا بعض الكلام
عن المحبة و المذّلة
ماذا حملت لعشر شمعات أضاءت كفر قاسم
غير المزيد، من النشيد ،عن الحمائم..
و الجماجم..؟
هي لا تريد.. و لا تعيد
رثاءنا.. هي لا تساوم
فوصية الدم تستغيث بأن تقاوم
في الليل دقوا كا باب..
كل باب.. كل باب
وتوسلوا ألا نهيل على الدم الغالي التراب
قالت عيونهم التي انطفأت لتشعلنا عتاب:
لا تدفنونا بالنشيد، و خلدونا بالصمود
إنّا نسمّد لبراعم الضوء الجديد
يا كفر قاسم!
من توابيت الضحايا سوف يعلو
علم يقول: قفوا! قفوا!
و استوقفوا!
لا :لا تذلوا !
دين العواصف أنت قد سدّدته ،
و انهار ظلّ
يا كفر قاسم! لن ننام.. و فيك مقبرة و ليل
ووصية الدم لا تساوم
ووصية الدم تستغيث بأن نقاوم
أن نقاوم..