Pages

Thursday, January 17, 2013

محمود درويش - مطر ناعم في خريف بعيد

مطر ناعم في خريف بعيد
و العصافير زرقاء.. زرقاء
و الأرض عيد.
لا تقولي أنا غيمة في المطار
فأنا لا أريد
من بلادي التي سقطت من زجاج القطار
غير منديل أمي
و أسباب موت جديد .
مطر ناعم في خريف غريب
و الشبابيك بيضاء.. بيضاء
و الشمس بيّارة في المغيب
و أنا برتقال سلّيب،
فلماذا تفرين من جسدي
و أنا لا أريد
من بلاد السكاكين و العندليب
غير منديل أمي
و أسباب موت جديد.
مطر ناعم في خريف حزين
و المواعيد خضراء.. خضراء
و الشمس طين
لا تقولي رأيناك في مصرع الياسمين
كان وجهي مساء
و موتى جنين.
و أنا لا أريد
من بلادي التي نسيت لهجة الغائبين
غير منديل أمي
و أسباب موت جديد
مطر ناعم في خريف بعيد
و العصافير زرقاء.. زرقاء
و الأرض عيد .
و العصافير طارت إلى زمن لا يعود
و تريدين أن تعرفي وطني
و الذي بيننا
_وطني لذة في القيود
_قبلتي أرسلت في البريد
و أنا لا أريد
من بلادي التي ذبحتني
غير منديل أمي
و أسباب موت جديد ..

محمود درويش - قاع المدينة

عشرون أغنية عن الموت المفاجيء
كل أغنية قبيلة
و نحب أسباب السقوط
على الشوارع..
كل نافذة خميلة.
و الموت مكتمل ،
قفي ملء الهزيمة يا مدينتنا النبيلة
في كلّ موت كان موتي
حالة أخرى..
بديلا كان للغة الهزيلة
(و العائدون من الجنازة عانقوني
كسّروا ضلعين
و انصرفوا
ومن عاداتهم أن يكذبوا
لكنّني صدقّتهم
و خرجت من جلدي
لأغرق في شوارعك القتيلة )
تتفجرين الآن برقوقا
و أنفجر اعترافا جارحا بالحبّ:
لولا الموت
كنت حجارة سوداء
كنت يدا محنّطة نحيلة
لا لون للجدران،
لولا قطرة الدم
لا ملامح للدروب المستطيلة
(و العائدون من الجنازة عانقوني
كسّروا ضلعين ..
و انصرفوا..
و من عاداتهم أن يسأموا
لكنهم كانوا يريدون البقاء ..
خرجت من جلدي
و قابلت الطفولة).
قد صار للإسمنت نبض فيك
صار لكل قنطرة جديلة
شكرا_ صليب مدينتي
شكرا..
لقد علّمتنا لون القرنفل و البطولة
يا جسرنا الممتدّ من فرح الطفولة_
يا صليب_ إلى الكهولة
الآن،
نكتشف المدينة فيك
آه.. يا مدينتنا الجميلة !..

محمود درويش - لوحة على الجدار

و نقول الأن أشياء كثيرة
عن غروب الشمس في الأرض الصغيرة
و على الحائط تبكي هيروشيما
ليلة تمضي، و لا نأخذ من عالمنا
غير شكل الموت
في عز الظهيرة .
..و لعينيك زمان آخر
و لجسمي قصة أخرى
و في الحلم نريد الياسمين،
عندما وزّعنا العالم من قبل سنين
كانت الجدران تستعصي على الفهم
و كان الأسبرين
يرجع الشبّاك و الزيتون و الحلم إلى أصحابه
كان الحنين
لعبة تلهيك عن فهم السنين
..و نقول الآن أشياء كثيرة
عن ذبول القمح في الأرض الضغيرة
و على الحائط تبكي هيروشيما
خنجرا يلمح كالحق، و لا نأخذ عن عالمنا
غير لون الموت
في عز الظهيرة..
في اشتعال القبلة الأولى
يذوب الحزن
و الموت يغني
و أنا لا أحزن الأن
و لكني أغني
أي جسم لا يكون الآن صوتا
أي حزن
لا يضم الكرة الأرضية الآن
إلى صدر المغني ؟!
..و نقول الآن أشياء كثيره
عن عذاب العشب في الأرض الصغيرة
و على الحائط تبكي هيروشيما
قبلة تنسى،ن و لا نأخذ من عالمنا
غير طعم الموت
في عزّ الظهيرة..
ألف نهر يركض الآن
و كل الأقوياء
يلعبون النرد في المقهى،
و لحم الشهداء
يختفي في الطين أحيانا
و أحيانا يسلي الشعراء!
و أنا يا امرأتي أمتصّ من صمتك
في الليل.. حليب الكبرياء!
..و نقول الآن أشياء كثيره
عن ضياع اللون في الأرض الصغيرة
و على الحائط تبكي هيروشيما
طفلة ماتت. و لا نأخذ من عالمنا
غير صوت الموت
في عز الظهيرة..

محمود درويش - الأغنية و السلطان

لم تكن أكثر من وصف.. لميلاد المطر
و مناديل من البزق الذي يشعل أسرار الشجر
فلماذا قاموها؟
حين قالت إن شيئا غير هذا الماء
يجري في النّهر؟
و حصى الوادي تماثيل، و أشياء أخر
و لماذا عذبوها
حين قالت إن في الغابة أسرارا.
و سكينا على صدر القمر
ودم البلبل مهدور على ذاك الحجر؟
و لماذا حبسوها
حين قالت: و طني حبل عرق
و على قنطرة الميدان إنسان يموت
و ظلام يحترق ؟
غضب السلطان
و السلطان مخلوق خيالي
قال: إن العيب في المرآة ،
فليخلد إلى الصمت مغنيكم، و عرشي
سوف يمتد
من النيل إلى نهر الفرات !
أسجنوا هذي القصيدة
غرفة التوقيف
خير من نشيد.. و جريدة
أخبروا السلطان،
أن الريح لا تجرحها ضربة سيف
و غيوم الصيف لا تسقي
على جدرانه أعشاب صيف
و ملايين من الأشجار
تخضر على راحة حرف !
غضب السلطان، و السلطان في كل الصور
و على ظهر بطاقات البريد
كالمزامير نقيّ و على جبهته وشم العبيد ،
ثم نادى.. و أمر :
أقتلوا هذي القصيدة
ساحة الإعدام ديوان الأناشيد العنيده!
أخبروا السلطان،
أن البرق لا يحبس في عود ذره
للأغاني منطق الشمس ،و تاريخ الجداول
و لها طبع الزلازل
و الأغاني كجذور الشجرة
فإذا ماتت بأرض،
أزهرت في كل أرض
كانت الأغنية الزرقاء فكره
حاول السلطان أن يطمسها
فغدت ميلاد جمره!
كانت الأغنية الحمراء جمره
حاول السلطان أن يحبسها
فإذا بالنار ثوره!
كان صوت الدم مغموسا بلون العاصفة
و حصى الميدان أفواه جروح راعفه
و أنا أضحك مفتونا بميلاد الرياح
عندما قاومني السلطان
أمسكت بمفتاح الصباح
و تلمست طريقي بقناديل الجراح
آه كم كنت مصيبا
عندما كرست قلبي
لنداء العاصفة
فلتهبّ العاصفة!
و لتهبّ العاصفة!

محمود درويش - أحبك أكثر ..

تكبّر.. تكبرّ!
فمهما يكن من جفاك
ستبقى، بعيني و لحمي، ملاك
و تبقى، كما شاء لي حبنا أن أراك
نسيمك عنبر
و أرضك سكر
و إني أحبك.. أكثر
يداك خمائل
و لكنني لا أغني
ككل البلابل
فإن السلاسل
تعلمني أن أقاتل
أقاتل.. أقاتل
لأني أحبك أكثر!
غنائي خناجر ورد
و صمتي طفولة رعد
و زنيقة من دماء
فؤادي،
و أنت الثرى و السماء
و قلبك أخضر..!
و جزر الهوى، فيك، مدّ
فكيف، إذن، لا أحبك أكثر
و أنت، كما شاء لي حبنا أن أراك:
نسيمك عنبر
و أرضك سكر
و قلبك أخضر..!
وإنّي طفل هواك
على حضنك الحلو
أنمو و أكبر !

محمود درويش - الموعد

لم تزل شرفة.. هناك
في بلادي، ملوحة
ويد تمنح الملاك
أغنيات، و أجنحة
العصافير أم صداك
أم مواعيد مفرحة
قتلتني.. لكي أراك؟!
وطني! حبنا هلاك
و الأغاني مجرحة
كلما جاءني نداك
هجر القلب مطرحه
و تلاقى على رباك
بالجروح المفتحه
لا تلمني ففي ثراك
أصبح الحب.. مذبحة!

محمود درويش - رد فعل

و طني! يعلمني حديد سلاسلي
عنف النسور، ورقة المتفائل
ما كنت أعرف أن تحت جلودنا
ميلاد عاصفة.. و عرس جداول
سدّوا عليّ النور في زنزانة
فتوهّجت في القلب..شمس مشاعل
كتبوا على الجدران رقم بطافتي
فنما على الجدران.. مرج سنابل
رسموا على الجدران صورة قاتلي
فمحت ملامحها ظلال جدائل
و حفرت بالأسنان رسمك داميا
و كتبت أغنية العذاب الراحل
أغمدت في لحم الظلام هزيمتي
و غرزت في شعر الشموس أناملي
و الفاتحون على سطوح منازلي
لم يفتحوا إلا وعود زلازلي!
لن يبصروا إلاّ توهّج جبهتي
لن يسمعوا إلاّ صرير سلاسلي
فإذا احترقت على صليب عبادتي
أصبحت قديسا.. بزيّ مقاتل

محمود درويش - وطن

علّقوني على جدائل نخلة
واشنقوني.. فلن أخون النخله!
هذه الأرض لي.. و كنت قديما
أحلب النوق راضيا و موله
وطني ليس حزمة من حكايا
ليس ذكرى، و ليس حقل أهلّه
ليس ضوءا على سوالف فلّة
وطني غضبة الغريب على الحزن
وطفل يريد عيدا و قبلة
ورياح ضاقت بحجرة سجن
و عجوز يبكي بنيه.. و حقله
هذه الأرض جلد عظمي
و قلبي..
فوق أعشابها يطير كنخلة
علقوني على جدائل نخلة
و اشنقوني فلن أخون النخلة !

محمود درويش - لا مفر

مطر على أشجاره و يدي على
أحجاره، و الملح فوق شفاهي
من لي بشبّاك يقي جمر الهوى
من نسمة فوق الرصيف اللاهي؟
وطني !عيونك أم غيوم ذوّبت
أوتار قلبي في جراح إله!
هل تأخذن يدي؟ فسبحان الذي
يحمي غريبا من مذلة آه
ظلّ الغريب على الغريب عباءة
تحمل من لسع الأسى التيّاه
هل تلقينّ على عراء تسولي
أستار قبر صار بعض ملاهي
لأشمّ رائحة الذين تنفّسوا
مهدي.. و عطر البرتقال الساهي
وطني! أفتّش عنك فلا أرى
إلاّ شقوق يديك فوق جباه
وطني أتفتح في الخرائب كوه ؟
فالملح ذاب على يدي و شفاهي
مطر على الإسفلت، يجرفني إلى
ميناء موتانا.. و جرحك ناه

محمود درويش - جبين و غضب

وطني يا أيّها النسر الذي يغمد منقاره اللهب
في عيوني،
أين تاريخ العرب؟
كل ما أملكه في حضرة الموت:
جبين و غضب.
و أنا أوصيت أن يزرع قلبي شجرة
و جبيني منزلا للقبّرة.
وطني، إنّا ولدنا و كبرنا بجراحك
و أكلنا شجر البلّوط..
كي نشهد ميلاد صباحك
أيّها النسر الذي يرسف في الأغلال من دون سبب
أيّها الموت الخرافي الذي كان يحب
لم يزل منقارك الأحمر في عينّي
سيفا من لهب..
و أنا لست جديرا بجناحك
كل ما أملكه في حضرة الموت:
جبين.. و غضب !

محمود درويش - إلى ضائعة

إذا مرت على وجهي
أنامل شعرك المبتل بالرمل
سأنهي لعبتي.. أنهي
و أمضي نحو منزلنا االقديم
على خطى أهلي
و أهتف يا حجارة بيتنا1 صلّى !
إذا سقطت على عيني
سحابة دمعة كانت تلف عيونك السوداء
سأحمل كل ما في الأرض من حزن
صليبا يكبر الشهداء
عليه و تصغر الدنيا
و يسقي دمع عينيك
رمال قصائد الأطفال و الشعراء!
إذا دقّت على بابي
يد الذكرى
سأحلم ليلة أخرى
بشاعرنا القديم و عودة الأسرى
و أشرب مرة أخرى
بقايا ظلك الممتد في بدني
و أومن أن شباكا
ضغيرا كان في وطني
يناديني و يعرفني
و يحميني من الأمطار و الزمن

محمود درويش - لا تتركيني

وطني جبينك، فاسمعيني
لا تتركيني
خلف السياج
كعشبة برية ،
كيمامة مهجورة
لا تتركيني
قمرا تعيسا
كوكبا متسولا بين الغصون
لا تتركيني
حرا بحزني
و احبسيني
بيد تصبّ الشمس
فوق كوى سجوني ،
وتعوّدي أن تحرقيني،
إن كنت لي
شغفا بأحجاري بزيتوني
بشبّاكي.. بطيني
وطني جبينك، فاسمعيني
لا تتركيني!

محمود درويش - يوم

منذ الظهيرة، كان وجه الأفق
مثل جبينك الوهميّ ،يغطس في الضباب
و الظلّ يجمد في الشوارع
مثل وقفتك الأخيرة عند بابي
و خطاك تعبر، في مكان ما، كهمس في اغترابي!
يا أيّها اليوم المسافر في الرمال
أتكن لي بعض المودة؟!
الظل يسند جبهتي
و الأفق يشرب من نبيذ الشمس
ما شربت يدي،
في ذات يوم،
من ضفائر شعرك المشدود في جرح الغد
و الظل يشربني كما شربت عيونك
ضوء آخر موعد
يا أول الليل الذي اشتعلت يداه برتقال
أتكنّ لي بعض المودّة؟؟
الباب يغلق مرة أخرى، ووجهك ليس يأتي
و أنا و أنت مسافران.. و لا جئان، أنا و أنت
ماذا تسر لك الكوكب؟.. إنها من دون بيت؟
لا تسمعيها!
كان فحم الليل يرسمها على تمثال صمت
و أنا و أنت ،أنا و أنت
شفتا حنين كان ملح الانتظار طعامنا
و صداك صوتي
و الباب يغلق مرة أخرى، ووجهك ليس يأتي
يا ليل، يا فرس الظلال..
أتكن لي بعض المودّة؟؟

محمود درويش - السجين و القمر

في آخر الليل التقينا تحت قنطرة الجبال
منذ اعتقلت، و أنت أدرى بالسبب
الآنّ أغنية تدافع عن عبير البرتقال
و عن التحدي و الغضب
دفنوا قرنفلة المغني في الرمال؟
علمان نحن، على تماثيل الغيوم الفستقية
بالحب محكومان، باللون المغني؟
كلّ الليالي السود تسقط في أغانينا ضحية
و الضوء يشرب ليل أحزاني و سجني
فتعال، ما زالت لقصتنا بقية!
سأحدث السّجان، حين يراك
عن حب قديم
قلربما وصل الحديث بنا إلى ثمن الأغاني
هذا أنا في القيد أمتشق النجوم
و هو الذي يقتات، حرا من دخاني
و من السلاسل و الوجوم!
كانت هويتنا ملايينا من الأزهار،
كنا في الشوارع مهرجان
الريح منزلنا،
وصوت حبيبتي قبل.
و كنت الموعدا
لكنهم جاؤوا من المدن القديمة
من أقاليم الدخان
كي يسحبوها من شراييني،
فعانقت المدى.
و الموت و الميلاد في وطني المؤله توأمان!
ستموت يوما حين تغنينا الرسوم عن الشجر
و تباع في الأسواق أجنحة البلابل
و أنا سأغرق في الزحام غدا، و أحلم بالمطر
و أحدث السمراء عن طعم السلاسل
و أقول موعدنا القمر!

محمود درويش - عيون الموتى على الأبواب

مروا على صحراء قلبي ،نحاملين ذراع نخلة
مرّوا على زهر القرنفل، تاركين أزير نحلة
و على شبابيك القرى رسموا، بأعينهم أهله
و تبادلوا بعض الكلام
عن المحبة و المذّلة
ماذا حملت لعشر شمعات أضاءت كفر قاسم
غير المزيد، من النشيد ،عن الحمائم..
و الجماجم..؟
هي لا تريد.. و لا تعيد
رثاءنا.. هي لا تساوم
فوصية الدم تستغيث بأن تقاوم
في الليل دقوا كا باب..
كل باب.. كل باب
وتوسلوا ألا نهيل على الدم الغالي التراب
قالت عيونهم التي انطفأت لتشعلنا عتاب:
لا تدفنونا بالنشيد، و خلدونا بالصمود
إنّا نسمّد لبراعم الضوء الجديد
يا كفر قاسم!
من توابيت الضحايا سوف يعلو
علم يقول: قفوا! قفوا!
و استوقفوا!
لا :لا تذلوا !
دين العواصف أنت قد سدّدته ،
و انهار ظلّ
يا كفر قاسم! لن ننام.. و فيك مقبرة و ليل
ووصية الدم لا تساوم
ووصية الدم تستغيث بأن نقاوم
أن نقاوم..

Wednesday, January 16, 2013

المتنبي - وشامخ من الجبال أقود

وشامِخٍ مِنَ الجِبالِ أقْوَدِ     فَرْدٍ كيأفُوخِ البَعِيرِ الأصْيَدِ
يُسارُ مِنْ مَضِيقِهِ والجَلْمَدِ     في مِثْلِ مَتْنِ المَسَدِ المُعَقَّدِ
زُرْناهُ للأمْرِ الذي لم يُعْهَدِ     للصّيْدِ والنّزْهَةِ والتّمَرُّدِ
بكُلِّ مَسْقيِّ الدّماءِ أسْوَدِ     مُعاوِدٍ مُقَوَّدٍ مُقَلَّدِ
بكُلّ نابٍ ذَرِبٍ مُحَدَّدِ     عَلى حِفافَيْ حَنَكٍ كالمِبْرَدِ
كَطالِبِ الثّأرِ وإنْ لم يَحْقِدِ     يَقْتُلُ ما يَقْتُلُهُ ولا يَدِي
يَنْشُدُ من ذا الخِشْفِ ما لم يَفقِدِ     فَثَارَ من أخضَرَ مَمْطُورٍ نَدِ
كأنّهُ بَدْءُ عِذارِ الأمْرَدِ     فلَمْ يكَدْ إلاّ لحَتْفٍ يَهتَدي
ولم يَقَعْ إلاّ عَلى بَطْنِ يَدِ     فَلَمْ يَدَعْ للشّاعِرِ المُجَوِّدِ
وَصْفاً لَهُ عِندَ الأميرِ الأمْجَدِ     المَلِكِ القَرْمِ أبي مُحَمّدِ
ألقانِصِ الأبْطالَ بالمُهَنّدِ     ذي النِّعَمِ الغُرّ البَوادي العُوّدِ
إذا أرَدْتُ عَدّها لم تُعْدَدِ     وإنْ ذكَرْتُ فَضْلَهُ لم يَنْفَدِ

المتنبي - وزيارة عن غير موعد

وزِيارَةٍ عَنْ غَيرِ مَوْعِدْ     كالغُمضِ في الجفنِ المُسهَّدْ
مَعَجَتْ بِنا فيها الجِيا     دُ مَعَ الأميرِ أبي مُحَمّدْ
حَتى دَخَلْنَا جَنّةً     لَوْ أنّ ساكِنَها مُخَلَّدْ
خَضْراءَ حَمْراءَ التّرا     بِ كأنّها في خَدِّ أغْيَدْ
أحْبَبْتُ تَشْبيهاً لَهَا     فَوَجَدْتُهُ ما ليسَ يُوجَدْ
وإذا رَجَعْتَ إلى الحَقَا     ئِقِ فَهْيَ واحدَةٌ لأوْحَدْ

المتنبي - لقد حازني وجد بمن حازه بعد

لقَد حازَني وَجْدٌ بمَنْ حازَهُ بُعْدُ     فيَا لَيْتَني بُعدٌ ويا لَيتَهُ وَجْدُ
أُسَرّ بتَجديدِ الهَوَى ذِكْرَ ما مضَى     وإنْ كانَ لا يَبقَى له الحجرُ الصّلدُ
سُهادٌ أتانا منكِ في العَينِ عِنْدَنَا     رُقادٌ وقُلاّمٌ رَعَى سَرْبُكمْ وَرْدُ
مُمَثَّلَةٌ حتى كأنْ لمْ تُفارِقي     وحتى كأنّ اليأسَ من وَصْلكِ الوَعدُ
وحتى تَكادي تَمْسَحينَ مَدامعي     ويَعْبَقُ في ثَوْبيَّ من رِيحِكِ النَّدُّ
إذا غَدَرَتْ حَسناءُ وفّتْ بعَهدها     فمِنْ عَهدِها أن لا يَدومَ لها عَهدُ
وإنْ عَشِقَتْ كانتْ أشَدّ صَبابَةً     وإن فَرِكتْ فاذهبْ فما فِركها قَصدُ
وإنْ حقَدَتْ لم يَبقَ في قَلبِها رِضًى     وإنْ رَضِيَتْ لم يَبقَ في قَلبِها حِقدُ
كذلِكَ أخلاقُ النّساءِ ورُبّمَا     يَضِلُّ بها الهادي ويخفى بها الرّشدُ
ولكنّ حُبّاً خامَرَ القَلْبَ في الصِّبَا     يَزيدُ على مَرّ الزّمانِ ويَشْتَدُّ
سَقَى ابنُ عَليٍّ كلَّ مُزنٍ سقَتكمُ     مُكافأةً يَغْدو إلَيْها كمَا تَغدُو
لتَرْوَى كمَا تُرْوي بلاداً سكَنْتِها     ويَنْبُتَ فيها فَوْقَكِ الفَخرُ والمجدُ
بمن تَشخَصُ الأبصارُ يوْمَ رُكوبِهِ     ويُخْرَقُ من زَحْمٍ على الرّجلِ البُرْدُ
وتُلْقي وما تَدري البَنانُ سِلاحَها     لكَثْرَةِ إيماءٍ إلَيْهِ إذا يَبدُو
ضَرُوبٌ لهامِ الضّارِبي الهامِ في الوَغى     خَفيفٌ إذا ما أثقَلَ الفَرسَ اللِّبْدُ
بَصِيرٌ بأخذِ الحَمدِ من كلّ مَوْضِعٍ     ولَوْ خَبَأتْهُ بَينَ أنْيابِها الأُسْدُ
بتَأميلِهِ يَغنى الفَتى قَبْلَ نَيْلِهِ     وبالذّعْرِ من قبلِ المهنّدِ يَنْقَدُّ
وسَيْفي لأنْتَ السّيفُ لا ما تَسُلّهُ     لضرْبٍ وممّا السّيفُ منهُ لكَ الغِمدُ
ورُمْحي لأنْتَ الرّمحُ لا ما تَبُلّهُ     نجيعاً ولوْلا القَدحُ لم يُثقِبِ الزَّنْدُ
منَ القاسِمينَ الشّكرَ بَيني وبَينَهمْ     لأنّهُمُ يُسدَى إلَيهِمْ بأنْ يُسدُوا
فشُكري لهم شُكرانِ: شكرٌ على النّدى     وشكرٌ على الشّكرِ الذي وَهبوا بَعْدُ
صِيامٌ بأبْوابِ القِبابِ جِيادُهُمْ     وأشْخاصُها في قَلبِ خائِفِهمْ تَعدُو
وأنْفُسُهُمْ مَبْذولَةٌ لوُفُودِهم     وأموالهُمْ في دارِ مَنْ لم يَفِدْ وَفْدُ
كأنّ عَطِيّاتِ الحُسَينِ عَساكِرٌ     ففيها العِبِدَّى والمُطَهَّمَةُ الجُرْدُ
أرَى القمرَ ابنَ الشّمسِ قد لبسَ العُلى     رُوَيْدَكَ حتى يَلْبَسَ الشّعَرَ الخَدُّ
وغالَ فُضُولَ الدّرْعِ مِن جَنَباتها     على بَدَنٍ قَدُّ القَنَاةِ لَهُ قَدُّ
وباشَرَ أبْكارَ المَكارِمِ أمْرَداً     وكانَ كَذا آباؤهُ وهُمُ مُرْدُ
مَدَحْتُ أباهُ قَبْلَهُ فشَفَى يَدي     مِنَ العُدم مَنْ تُشفَى به الأعينُ الرُّمدُ
حَبَاني بأثْمانِ السّوابِقِ دونَهَا     مَخافةَ سَيرِي إنّها للنّوَى جُنْدُ
وشَهْوَةَ عَوْدٍ إنَّ جُودَ يَمينِهِ     ثُنَاءٌ ثُنَاءٌ والجَوادُ بها فَرْدُ
فلا زِلْتُ ألقَى الحاسِدينَ بمِثْلِها     وفي يدهم غَيضٌ وفي يديَ الرِّفْدُ
وعِندي قَباطيّ الهُمَامِ ومَالُهُ     وعندَهُمُ ممّا ظَفِرْتُ بهِ الجَحدُ
يَرومُونَ شأوي في الكَلامِ وإنّمَا     يحاكي الفتى فيما خَلا المَنطقَ القِرْدُ
فَهُمْ في جُموعٍ لا يراها ابنُ دأيَةٍ     وهم في ضَجيجٍ لا يُحسّ به الخلدُ
ومني استفادَ النّاسُ كُلَّ غَريبَةٍ     فجازوا بتَرْكِ الذّمّ إن لم يكنْ حمدُ
وجَدْتُ عَليّاً وابنَهُ خيرَ قوْمِهِ     وهم خيرُ قوْمٍ واستوَى الحُرُّ والعبدُ
وأصْبَحَ شِعري منهُما في مكانِهِ     وفي عُنُقِ الحَسْناءِ يُستَحسنُ العِقدُ

المتنبي - أقل فعالي بله أكثره مجد

أقَلُّ فَعَالي بَلْهَ أكْثَرَهُ مَجْدُ     وذا الجِدُّ فيهِ نِلْتُ أم لم أنَلْ جَدُّ
سأطْلُبُ حَقّي بالقَنَا ومَشايخٍ     كأنّهُمُ من طولِ ما التَثَموا مُرْدُ
ثِقالٍ إذا لاقَوْا خِفافٍ إذا دُعُوا     كَثيرٍ إذا اشتَدّوا قَليلٍ إذا عُدّوا
وطعْنٍ كأنّ الطّعنَ لا طَعنَ عندَهُ     وضرْبٍ كأنّ النّارَ من حرّهِ بَرْدُ
إذا شِئتُ حَفّتْ بي على كلّ سابحٍ     رِجالٌ كأنّ المَوْتَ في فَمِها شَهْدُ
أذُمّ إلى هذا الزّمانِ أُهَيْلَهُ     فأعْلَمُهُمْ فَدْمٌ وأحزَمُهمْ وَغْدُ
وأكرَمُهُمْ كَلْبٌ وأبصرُهُمْ عمٍ     وأسهَدُهُمْ فَهدٌ وأشجَعُهم قِرْدُ
ومن نَكَدِ الدّنْيا على الحُرّ أنْ يَرَى     عَدُوّاً لَهُ ما من صَداقَتِهِ بُدُّ
بِقَلْبِي وإنْ لم أرْوَ منها مَلالَةٌ     وبي عن غَوانيها وإن وَصَلتْ صَدُّ
خَليلايَ دونَ النّاسِ حُزْنٌ وعَبرةٌ     على فَقْدِ مَن أحبَبتُ ما لهُما فَقْدُ
تَلَجُّ دُمُوعي بالجُفونِ كأنّما     جُفُوني لعَيْنيْ كلِّ باكِيَةٍ خَدُّ
وإنّي لتُغْنيني مِنَ الماءِ نُغْبَةٌ     وأصبرُ عَنْهُ مثلَما تَصبرُ الرُّبْدُ
وأمضي كما يَمضي السّنانُ لِطِيّتي     وأطوَى كما تَطوَى المُجَلِّحةُ العُقدُ
وأُكْبِرُ نَفسي عَن جَزاءٍ بغِيبَةٍ     وكلُّ اغتِيابٍ جُهدُ مَن ما لَه جُهدُ
وأرْحَمُ أقواماً منَ العِيّ والغَبَى     وأعْذِرُ في بُغضِي لأنّهُمُ ضدُّ
ويَمْنَعُني ممّن سوَى ابنِ محمّدٍ     أيادٍ لهُ عندي تَضيقُ بهَا عِنْدُ
تَوالى بلا وَعْدٍ ولَكِنّ قَبْلَها     شَمائِلَهُ من غَيرِ وَعْدٍ بها وَعْدُ
سرَى السّيفُ ممّا تَطبعُ الهندُ صاحبي     إلى السّيفِ ممّا يطبَعُ الله لا الهِنْدُ
فَلَمّا رآني مُقْبِلاً هَزّ نَفْسَهُ     إليّ حُسامٌ كلُّ صَفْحٍ لهُ حَدُّ
فلم أرَ قَبلي مَن مَشَى البحرُ نحوَهُ     ولا رَجُلاً قامَتْ تُعانِقُهُ الأُسْدُ
كأنّ القِسِيّ العاصِياتِ تُطيعُهُ     هَوًى أو بها في غيرِ أُنْمُلِهِ زُهْدُ
يكادُ يُصيبُ الشيءَ من قَبلِ رَمْيِهِ     ويُمْكِنُهُ في سَهْمِهِ المُرْسَلِ الرّدُّ
ويُنْفِذُهُ في العَقْدِ وهْوَ مُضَيَّقٌ     من الشّعرَةِ السّوداءِ واللّيلُ مُسوَدُّ
بنَفسي الذي لا يُزْدَهَى بخَديعَةٍ     وإنْ كَثُرَتْ فيها الذّرائعُ والقَصْدُ
ومَنْ بُعدُهُ فَقْرٌ ومَن قُرْبُهُ غنًى     ومَنْ عِرْضُهُ حُرٌّ ومَن مالُهُ عَبْدُ
ويَصْطَنِعُ المَعْرُوفَ مُبْتَدِئاً بهِ     ويَمْنَعُهُ من كلّ مَن ذمُّهُ حَمدُ
ويَحْتَقِرُ الحُسّادَ عن ذِكْرِهِ لهُمْ     كأنّهُمُ في الخَلقِ ما خُلِقوا بَعدُ
وتأمَنُهُ الأعداءُ منْ غيرِ ذِلّةٍ     ولكن على قَدْرِ الذي يُذنبُ الحِقدُ
فإنْ يَكُ سيّارُ بنُ مُكرَمٍ انقَضَى     فإنّكَ ماءُ الوَرْدِ إنْ ذهبَ الوَرْدُ
مَضَى وبَنُوهُ وانْفَرَدْتَ بفَضْلِهِمْ     وألفٌ إذا ما جُمّعَتْ واحِدٌ فَرْدُ
لَهُمْ أوْجُهٌ غُرٌّ وأيْدٍ كريمَةٌ     ومَعْرِفَةٌ عِدٌّ وألْسِنَةٌ لُدُّ
وأرْدِيَةٌ خُضْرٌ ومُلْكٌ مُطاعَةٌ     ومَركوزَةٌ سُمْرٌ ومُقرَبَةٌ جُرْدُ
وما عِشْتَ ما ماتُوا ولا أبَواهُمُ     تَميمُ بنُ مُرٍّ وابنُ طابخَةٍ أُدُّ
فبَعضُ الذي يَبدو الذي أنا ذاكِرٌ     وبعضُ الذي يخفَى عليّ الذي يَبدو
ألُومُ بهِ مَنْ لامَني في وِدادِهِ     وحُقَّ لخَيرِ الخَلْقِ من خَيرِهِ الوُدُّ
كَذا فَتَنَحّوْا عَن عَليٍّ وطُرْقِهِ     بني اللّؤمِ حتى يَعبُرَ المَلِكُ الجَعدُ
فَما في سَجاياكُمْ مُنازَعَةُ العُلَى     ولا في طِباعِ التُّربَةِ المِسكُ وَالنَّدُّ

المتنبي - أحلما نرى أم زمانا جديدا

أحُلْماً نَرَى أمْ زَماناً جَديدَا     أمِ الخَلْقُ في شَخصِ حيٍّ أُعيدَا
تَجَلّى لَنا فأضَأنَا بِهِ     كأنّنا نُجُومٌ لَقينَ سُعُودَا
رَأيْنا بِبَدْرٍ وآبائِهِ     لبَدْرٍ وَلُوداً وبَدْراً وَليدَا
طَلَبْنا رِضاهُ بتَرْكِ الّذي     رَضِينا لَهُ فَتَرَكْنا السّجُودَا
أمِيرٌ أمِيرٌ عَلَيْهِ النّدَى     جَوادٌ بَخيلٌ بأنْ لا يَجُودَا
يُحَدَّثُ عَن فَضْلِهِ مُكْرَهاً     كأنّ لَهُ مِنْهُ قَلْباً حَسُودَا
ويُقْدِمُ إلاّ عَلى أنْ يَفِرّ     ويَقْدِرُ إلاّ عَلى أنْ يَزيدَا
كأنّ نَوالَكَ بَعضُ القَضاءِ     فَما تُعْطِ منهُ نجِدْهُ جُدودَا
ورُبّتَما حَمْلَةٍ في الوَغَى     رَدَدتَ بها الذُّبّلَ السُّمرَ سُودَا
وهَوْلٍ كَشَفْتَ ونَصلٍ قصَفْتَ     ورُمْحٍ تَركْتَ مُباداً مُبيدَا
ومَالٍ وهَبْتَ بِلا مَوْعِدٍ     وقِرْنٍ سَبَقْتَ إلَيْهِ الوَعِيدَا
بهَجْرِ سُيُوفِكَ أغْمادَهَا     تَمَنّى الطُّلى أن تكونَ الغُمودَا
إلى الهَامِ تَصْدُرُ عَنْ مِثْلِهِ     تَرَى صَدَراً عَنْ وُرُودٍ وُرُودا
قَتَلْتَ نُفُوسَ العِدَى بالحَديـ     ـدِ حتى قَتَلتَ بهنَّ الحَديدَا
فأنْفَدْتَ مِنْ عَيشِهِنّ البَقاءَ     وأبْقَيْتَ ممّا ملَكْتَ النّفُودَا
كأنّكَ بالفَقْرِ تَبغي الغِنى     وبالموْتِ في الحرْبِ تَبغي الخلودَا
خَلائِقُ تَهْدي إلى رَبّهَا     وآيَةُ مَجْدٍ أراها العَبيدَا
مُهَذَّبَةٌ حُلْوَةٌ مُرّةٌ     حَقَرْنَا البِحارَ بها والأسُودَا
بَعيدٌ عَلى قُرْبِهَا وَصْفُهَا     تغولُ الظّنونَ وتُنضِي القَصيدَا
فأنْتَ وَحيدُ بَني آدَمٍ     ولَسْتَ لفَقْدِ نَظيرٍ وَحيدَا

المتنبي - أحاد أم سداس في أحاد

أُحادٌ أمْ سُداسٌ في أُحَادِ     لُيَيْلَتُنَا المَنُوطَةُ بالتّنادِي
كأنّ بَناتِ نَعْشٍ في دُجَاهَا     خَرائِدُ سافراتٌ في حِداد
أُفَكّرُ في مُعاقَرَةِ المَنَايَا     وقَوْدِ الخَيْلِ مُشرِفةَ الهَوادي
زَعيمٌ للقَنَا الخَطّيّ عَزْمي     بسَفكِ دمِ الحَواضرِ والبَوادي
إلى كمْ ذا التخلّفُ والتّواني     وكمْ هذا التّمادي في التّمادي
وشُغلُ النّفسِ عن طَلَبِ المَعالي     ببَيعِ الشّعرِ في سوقِ الكَسادِ
وما ماضي الشّبابِ بمُسْتَرَدٍّ     ولا يَوْمٌ يَمُرّ بمُسْتَعادِ
متى لحظَتْ بَياضَ الشّيبِ عيني     فقد وَجَدَتْهُ منها في السّوَادِ
متى ما ازْدَدْتُ من بعدِ التّناهي     فقد وقَعَ انْتِقاصي في ازْدِيَادي
أأرْضَى أنْ أعيشَ ولا أُكافي     على ما للأميرِ مِنَ الأيادي
جَزَى الله المَسيرَ إلَيْهِ خَيْراً     وإنْ تَرَكَ المَطَايا كالمَزادِ
فَلَمْ تَلقَ ابنَ إبْراهيمَ عَنْسِي     وفيها قُوتُ يَوْمٍ للقُرادِ
ألَمْ يَكُ بَيْنَنا بَلَدٌ بَعيدٌ     فَصَيّرَ طُولَهُ عَرْضَ النِّجادِ
وأبْعَدَ بُعْدَنا بُعْدَ التّداني     وقَرّبَ قُرْبَنا قُرْبَ البِعَادِ
فَلَمّا جِئْتُهُ أعْلَى مَحَلّي     وأجلَسَني على السّبْعِ الشِّدادِ
تَهَلّلَ قَبْلَ تَسليمي علَيْهِ     وألْقَى مالَهُ قَبْلَ الوِسَادِ
نَلُومُكَ يا عَليّ لغَيرِ ذَنْبٍ     لأنّكَ قد زَرَيْتَ على العِبَادِ
وأنّكَ لا تَجُودُ على جَوادٍ     هِباتُكَ أنْ يُلَقَّبَ بالجَوادِ
كأنّ سَخاءَكَ الإسلامُ تَخشَى     إذا ما حُلتَ عاقِبَةَ ارتِدادِ
كأنّ الهَامَ في الهَيْجَا عُيُونٌ     وقد طُبِعتْ سُيُوفُكَ من رُقادِ
وقد صُغتَ الأسِنّةَ من هُمومٍ     فَما يَخْطُرْنَ إلاّ في الفُؤادِ
ويوْمَ جَلَبْتَها شُعْثَ النّواصِي     مُعَقَّدَةَ السّباسِبِ للطّرادِ
وحامَ بها الهَلاكُ على أُنَاسٍ     لَهُمْ باللاّذِقِيّة بَغْيُ عَادِ
فكانَ الغَرْبُ بَحْراً مِن مِياهٍ     وكانَ الشّرْقُ بَحراً من جِيادِ
وقد خَفَقَتْ لكَ الرّاياتُ فيهِ     فَظَلّ يَمُوجُ بالبِيضِ الحِدادِ
لَقُوكَ بأكْبُدِ الإبِلِ الأبَايَا     فسُقْتَهُمُ وحَدُّ السّيفِ حادِ
وقد مزّقتَ ثَوْبَ الغَيّ عنهُمْ     وقَد ألْبَسْتَهُمْ ثَوْبَ الرّشَادِ
فَما تَرَكُوا الإمارَةَ لاخْتِيارٍ     ولا انتَحَلوا وِدادَكَ من وِدادِ
ولا اسْتَفَلُوا لزُهْدٍ في التّعالي     ولا انْقادوا سُرُوراً بانْقِيادِ
ولكن هَبّ خوْفُكَ في حَشاهُمْ     هُبُوبَ الرّيحِ في رِجلِ الجَرادِ
وماتُوا قَبْلَ مَوْتِهِمِ فَلَمّا     مَنَنْتَ أعَدْتَهُمْ قَبْلَ المَعادِ
غَمَدْتَ صَوارِماً لَوْ لم يَتُوبوا     مَحَوْتَهُمُ بها مَحْوَ المِدادِ
وما الغضَبُ الطّريفُ وإنْ تَقَوّى     بمُنْتَصِفٍ منَ الكَرَمِ التّلادِ
فَلا تَغْرُرْكَ ألْسِنَةٌ مَوالٍ     تُقَلّبُهُنّ أفْئِدَةٌ أعادي
وكنْ كالمَوْتِ لا يَرْثي لباكٍ     بكَى منهُ ويَرْوَى وهْوَ صادِ
فإنّ الجُرْحَ يَنْفِرُ بَعدَ حينٍ     إذا كانَ البِناءُ على فَسادِ
وإنّ المَاءَ يَجْري مِنْ جَمادٍ     وإنّ النّارَ تَخْرُجُ من زِنَادِ
وكيفَ يَبيتُ مُضْطَجِعاً جَبانٌ     فَرَشْتَ لجَنْبِهِ شَوْكَ القَتادِ
يَرَى في النّوْمِ رُمحَكَ في كُلاهُ     ويَخشَى أنْ يَراهُ في السُّهادِ
أشِرْتُ أبا الحُسَينِ بمَدحِ قوْمٍ     نزَلتُ بهِمْ فسِرْتُ بغَيرِ زادِ
وظَنّوني مَدَحْتُهُمُ قَديماً     وأنْتَ بما مَدَحتُهُمُ مُرادي
وإنّي عَنْكَ بَعدَ غَدٍ لَغَادٍ     وقَلبي عَنْ فِنائِكَ غَيْرُ غَادِ
مُحِبُّكَ حَيثُما اتّجَهَتْ رِكابي     وضَيفُكَ حيثُ كنتُ من البلادِ

المتنبي - ما الشوق مقتنعا مني بذا الكمد

ما الشّوْقُ مُقتَنِعاً منّي بذا الكَمَدِ     حتى أكونَ بِلا قَلْبٍ ولا كَبِدِ
ولا الدّيارُ التي كانَ الحَبيبُ بهَا     تَشْكُو إليّ ولا أشكُو إلى أحَدِ
ما زالَ كُلّ هَزيمِ الوَدْقِ يُنحِلُها     والسّقمُ يُنحِلُني حتى حكتْ جسدي
وكلّما فاضَ دمعي غاض مُصْطَبري     كأنْ ما سالَ من جَفنيّ من جَلَدي
فأينَ من زَفَرَاتي مَنْ كَلِفْتُ بهِ     وأينَ منكَ ابنَ يحيَى صَوْلَةُ الأسَدِ
لمّا وزَنْتُ بكَ الدّنْيا فَمِلْتَ بهَا     وبالوَرَى قَلّ عِندي كثرَةُ العَدَدِ
ما دارَ في خَلَدِ الأيّام لي فَرَحٌ     أبا عُبادَةَ حتى دُرْتَ في خَلَدي
مَلْكٌ إذا امْتَلأتْ مَالاً خَزائِنُهُ     أذاقَهَا طَعْمَ ثُكْلِ الأمّ للوَلَدِ
ماضي الجَنانِ يُريهِ الحَزْمُ قَبلَ غَدٍ     بقَلبِهِ ما تَرَى عَيناهُ بَعْدَ غَدِ
ما ذا البَهاءُ ولا ذا النّورُ من بَشَرٍ     ولا السّماحُ الذي فيهِ سَماحُ يَدِ
أيّ الأكُفّ تُباري الغَيثَ ما اتّفَقَا     حتى إذا افْتَرَقَا عادَتْ ولمْ يَعُدِ
قد كنتُ أحْسَبُ أنّ المجدَ من مُضَرٍ     حتى تَبَحْتَرَ فَهوَ اليومَ مِن أُدَدِ
قَوْمٌ إذا أمْطَرَتْ مَوْتاً سُيُوفُهُمُ     حَسِبْتَها سُحُباً جادَتْ على بَلَدِ
لم أُجْرِ غايَةَ فكري منكَ في صِفَةٍ     إلاّ وَجَدْتُ مَداها غايةَ الأبدِ

المتنبي - أيا خدد الله ورد الخدود

أيَا خَدّدَ الله وَرْدَ الخُدودِ     وَقَدّ قُدودَ الحِسانِ القُدودِ
فَهُنّ أسَلْنَ دَماً مُقْلَتي     وَعَذّبْنَ قَلبي بطُولِ الصّدودِ
وكَمْ للهَوَى من فَتًى مُدْنَفٍ     وكَمْ للنّوَى من قَتيلٍ شَهيدِ
فوَا حَسْرَتَا ما أمَرّ الفِراقَ     وَأعْلَقَ نِيرانَهُ بالكُبُودِ
وأغْرَى الصّبابَةَ بالعاشِقِينَ     وَأقْتَلَهَا للمُحِبّ العَميدِ
وَألْهَجَ نَفْسي لغَيرِ الخَنَا     بحُبّ ذَواتِ اللَّمَى والنّهُودِ
فكانَتْ وكُنّ فِداءَ الأميرِ     ولا زالَ مِنْ نِعْمَةٍ في مَزيدِ
لقَد حالَ بالسّيفِ دونَ الوَعيدِ     وحالَتْ عَطاياهُ دونَ الوُعودِ
فأنْجُمُ أمْوالِهِ في النّحُوسِ     وأنْجُمُ سُؤّالِهِ في السّعُودِ
ولَوْ لمْ أخَفْ غَيرَ أعْدائِهِ     عَلَيْهِ لَبَشّرْتُهُ بالخُلُودِ
رَمَى حَلَباً بِنَواصِي الخُيُولِ     وسُمْرٍ يُرِقْنَ دَماً في الصّعيدِ
وبِيضٍ مُسافِرَةٍ ما يُقِمْـ     ـنَ لا في الرّقابِ ولا في الغُمُودِ
يَقُدْنَ الفَنَاءَ غَداةَ اللّقاءِ     إلى كلّ جيشٍ كَثيرِ العَديدِ
فَوَلّى بأشياعِهِ الخَرْشَنيُّ     كَشاءٍ أحَسّ بِزَأرِ الأسُودِ
يَرَوْنَ مِنَ الذّعر صَوْتَ الرّياحِ     صَهيلَ الجِيادِ وخَفْقَ البُنُودِ
فَمَنْ كالأميرِ ابنِ بنْتِ الأميـ     ـرِ أوْ مَنْ كآبائِهِ والجُدُودِ
سَعَوْا للمَعالي وَهُمْ صبْيَةٌ     وسادوا وجادوا وهُمْ في المُهودِ
أمَالِكَ رِقّي ومَنْ شَأنُهُ     هِباتُ اللُّجَينِ وعِتْقُ العَبيدِ
دَعَوْتُكَ عِندَ انْقِطاعِ الرّجَا     ءِ والمَوْتُ مني كحَبل الوَريدِ
دَعَوْتُكَ لمّا بَراني البَلاءُ     وأوْهَنَ رِجْليّ ثِقْلُ الحَديدِ
وقَدْ كانَ مَشيُهُما في النّعالِ     فقَد صارَ مَشيُهُما في القُيُودِ
وكنت منَ النّاسِ في مَحْفِلٍ     فَها أنَا في مَحْفِلٍ مِنْ قُرُودِ
تُعَجِّلُ فيّ وُجوبَ الحُدودِ     وَحَدّي قُبَيلَ وُجوبِ السّجودِ
وقيل: عَدَوْتَ على العالمينَ     بَينَ وِلادي وبَينَ القُعُودِ
فَما لَكَ تَقْبَلُ زُورَ الكَلامِ     وقَدْرُ الشّهادَةِ قَدْرُ الشّهُودِ
فَلا تَسْمَعَنّ مِنَ الكَاشِحِينَ     وَلا تَعْبَأنّ بِعِجْلِ اليَهُودِ
وكنْ فارِقاً بينَ دَعوَى أرَدتُ     وَدَعوَى فَعَلْتُ بشَأوٍ بَعيدِ
وفي جُودِ كَفّيْكَ ما جُدْتَ لي     بنَفسي ولوْ كنتُ أشْقَى ثَمُودِ

المتنبي - أليوم عهدكم فأين الموعد؟

ألْيَوْمَ عَهدُكُمُ فأينَ المَوْعِدُ؟     هَيهاتِ ليسَ ليَوْمِ عَهدِكُمُ غَدُ
ألمَوْتُ أقرَبُ مِخْلَباً من بَيْنِكُمْ     وَالعَيشُ أبعَدُ منكُمُ لا تَبعُدُوا
إنّ التي سفَكَتْ دَمي بجُفُونِها     لم تَدْرِ أنّ دَمي الذي تَتَقَلّدُ
قالَتْ وقَد رَأتِ اصْفِراري من بهِ     وَتَنَهّدَتْ فأجَبْتُها المُتَنَهِّدُ
فَمَضَتْ وقد صَبَغَ الحَياءُ بَياضَهَا     لَوْني كَما صَبَغَ اللُّجَينَ العَسجَدُ
فرَأيتُ قَرْنَ الشّمسِ في قمرِ الدّجى     مُتَأوّداً غُصْنٌ بِهِ يَتَأوّدُ
عَدَوِيّةٌ بَدَوِيّةٌ مِنْ دُونِهَا     سَلْبُ النّفُوسِ ونارُ حرْبٍ توقَدُ
وَهَواجِلٌ وصَواهِلٌ ومَنَاصِلٌ     وذَوابِلٌ وتَوَعّدٌ وتَهَدُّدُ
أبْلَتْ مَوَدّتَها اللّيالي بَعْدَنَا     ومَشَى عَلَيها الدّهرُ وهوَ مُقَيَّدُ
بَرّحْتَ يا مَرَضَ الجُفُونِ بِمُمرَضٍ     مَرِضَ الطّبيبُ لهُ وَعِيدَ العُوّدُ
فَلَهُ بَنُو عَبْدِ العَزيزِ بنِ الرّضَى     ولكُلّ رَكْبٍ عيسُهُمْ والفَدْفَدُ
مَن في الأنامِ مِنَ الكِرامِ ولا تَقُلْ     مَن فيكِ شأمُ سوَى شجاعٍ يُقصَدُ
أعطى فقُلتُ: لجودِه ما يُقْتَنَى،     وَسَطا فقلتُ: لسَيفِهِ ما يُولَدُ
وَتَحَيّرَتْ فيهِ الصّفاتُ لأنّهَا     ألْفَتْ طَرائِقَهُ عَلَيها تَبْعُدُ
في كلّ مُعْتَرَكٍ كُلًى مَفْرِيّةٌ     يَذْمُمْنَ منهُ ما الأسِنّةُ تَحمَدُ
نِقَمٌ عَلى نِقَمِ الزّمانِ يَصُبّها     نِعَمٌ على النّعَمِ التي لا تُجْحَدُ
في شَانِهِ ولِسانِهِ وبَنَانِهِ     وَجَنانِهِ عَجَبٌ لمَنْ يَتَفَقّدُ
أسَدٌ دَمُ الأسَدِ الهِزَبْرِ خِضابُهُ     مَوْتٌ فَريصُ المَوْتِ منهُ يُرْعَدُ
ما مَنْبِجٌ مُذْ غِبْتَ إلاّ مُقْلَةٌ     سهدتْ وَوَجْهُكَ نوْمُها والإثمِدُ
فاللّيلُ حينَ قَدِمْتَ فيها أبْيَضٌ     والصّبْحُ مُنذُ رَحَلْتَ عنها أسوَدُ
ما زِلْتَ تَدنو وهْيَ تَعْلُو عِزّةً     حتى تَوَارَى في ثَراها الفَرْقَدُ
أرْضٌ لها شَرَفٌ سِواها مِثْلُهَا     لوْ كانَ مثْلُكَ في سِواها يُوجَدُ
أبْدَى العُداةُ بكَ السّرورَ كأنّهُمْ     فرِحوا وعِندَهُمُ المُقيمُ المُقْعِدُ
قَطّعْتَهُمْ حَسَداً أراهُمْ ما بهِمْ     فَتَقَطّعُوا حَسَداً لمنْ لا يَحسُدُ
حتى انْثَنَوْا ولَوْ أنّ حرّ قُلوبهمْ     في قَلْبِ هاجِرَةٍ لَذابَ الجَلْمَدُ
نَظَرَ العُلُوجُ فلَمْ يَروْا من حَوْلهم     لمّا رَأوْكَ وقيلَ هذا السّيّدُ
بَقيَتْ جُمُوعُهُمُ كأنّكَ كُلّها     وبَقيتَ بَينَهُمُ كأنّكَ مُفْرَدُ
لهفَانَ يَستوْبي بكَ الغَضَبَ الوَرَى     لوْ لم يُنَهْنِهْكَ الحِجى والسّؤدُدُ
كنْ حيثُ شئتَ تَسِرْ إليكَ رِكابُنا     فالأرْضُ واحِدَةٌ وأنتَ الأوْحَدُ
وَصُنِ الحُسامَ ولا تُذِلْهُ فإنّهُ     يَشكُو يَمينَكَ والجَماجمُ تَشهَدُ
يَبِسَ النّجيعُ عَلَيْهِ وَهْوَ مُجَرَّدٌ     مِنْ غِمْدِهِ وكأنّما هوَ مُغْمَدُ
رَيّانُ لَوْ قَذَفَ الذي أسْقَيْتَهُ     لجَرَى منَ المُهَجاتِ بَحْرٌ مُزْبدُ
ما شارَكَتْهُ مَنِيّةٌ في مُهْجَةٍ     إلاّ وشَفْرَتُهُ على يَدِها يَدُ
إنّ العَطايا والرّزايا والقَنا     حُلَفاءُ طَيٍّ غَوّرُوا أوْ أنجَدُوا
صِحْ يا لَجُلْهُمَةٍ تُجِبْكَ وإنّما     أشفَارُ عَينِكَ ذابِلٌ ومُهَنّدُ
من كلّ أكبَرَ مِنْ جِبالِ تِهامَةٍ     قَلْباً ومِنْ جَوْدِ الغَوَادي أجوَدُ
يَلْقاكَ مُرْتَدِياً بأحْمَرَ مِنْ دَمٍ     ذَهَبَتْ بخُضرَتِهِ الطُّلَى والأكْبُدُ
حتى يُشارَ إلَيكَ: ذا مَوْلاهُمُ     وَهُمُ المَوَالي والخَليقَةُ أعْبُدُ
أنّى يَكُونُ أبَا البَرِيّةِ آدَمٌ     وأبوكَ والثّقَلانِ أنْتَ مُحَمّدُ
يَفنى الكَلامُ ولا يُحيطُ بفَضْلِكُمْ     أيُحيطُ ما يَفْنى بمَا لا يَنْفَدُ

--------

Tuesday, January 15, 2013

احمد شوقي - به سحرٌ يتيمهُ

به سحرٌ يتيمهُ     كلا جفينكَ يعلمهُ
هما كادا لمهجتهِ     ومنكَ الكيدُ مُعظمُه
تعذبه بسحرهما     وتوجده ، وتعدمه
فلا هَارُوتَ رَقَّ له     ولا مَارُوتَ يَرْحَمُه
وتَظلِمُه فلا يشكو     إلى ما ليس يظلمه
أَسرَّ، فماتَ كتماناً     وباح، فخانه فمُه
فويْحَ المُدنَفِ المعمـ     ـودِ ، حتى البثُّ يحرمه
طويل الليل ، ترحمه     هواتِفُه وأَنجُمه
إذا جدّ الغرام به     جرى في دمعه دمه
يكاد لطول صحبتِه     بعادي السقم يسقمه
ثَنَى الأَعنَاقَ عُوَّدُه     وأَلقى العذرَ لُوَّمُه
قضى عشقاً سوى رمقٍ     إليكَ غداً يقدِّمه
عسى إن قيل : مات هوى     تقول : اللهُ يرحمه
فتحيا في مَراقِدها     بلفظٍ منكَ أعظمه
بروحي البانُ يومَ رَنا     عن المقدورِ أَعْصِمُه
ويوم طعنتُ من غصن     معلمه منعمه
قضاء اللهش نظرته     ولطفُ الله مَبْسِمُه
رمى ، فاستهدفتْ كبدي     بِيَ الرّامي وأَسْهمُه
له من أضلعي قاعٌ     ومن عَجَبٍ يسلِّمه
ومن قلبي وحبته     كناسٌ بات يهدمه
غزالٌ في يديه التيـ     ـه بينَ الغيدِ يقسمه

احمد شوقي - مَنْ صَوَّرَ السِّحْرَ المُبينَ عيونا

مَنْ صَوَّرَ السِّحْرَ المُبينَ عيونا     واحلَّه حدقاً لها وجفونا ؟
نظرتْ ، فحلتُ بجانبي ، فاستهدفتْ     كبدي ، وكان فوادي المغبونا
ورمت بسهم جال فيه جولة ً     حتى استقر ، فرنَّ فيه زنينا
فَلَمَسْتُ صدري مُوجساً ومُرَوَّعاً     ولمست جنبي مشفقاً وضنينا
يا قلبُ، إن من البَواتر أَعْيُناً     سوداً ، وإن من الجآذر عينا
لا تأْخذنّ من الأُمور بظاهرٍ     إن الظواهر تخدعُ الرائينا
فلكم رَجَعتُ من الأَسِنّة سالماً     وصدرت عن هيفِ القدود طعينا
وخميلة ٍ فوق الجزيرة مسها     ذهبُ الأصيل حواشياً ومتونا
كالتبر أفقاً ، والزبرجدِ ربوة     والمسكِ ترباً ، واللجين معينا
وقف الحيا من دونها مُسْتأْذِناً     ومشى النسيم بظلها ماذونا
وجرى عليها النيلُ يَقْذِفُ فضَّة     نثراً، ويَكسِر مَرْمَراً مَسْنونا
يُغري جواريَهُ بها، فَيجئنها     ويغيرهنَّ بها ، فيستعلينا
راع الظلام بها اوانس ترتمي     مثلَ الظباءِ من الرُّبى يَهوِينا
يخطرن في ساح القلوب عواليا     ويملن في مرأى العيون غصونا
عِفْنَ الذيولَ من الحرير وغيره     وسَحَبْنَ ثَمَّ الآسَ والنَّسْرينا
عارضتهن ولي فؤادٌ عرضة ٌ     لهوى الجآذرِ دانَ فيه ودِينا
فنظرن لا يدرين : أذهبُ يسرة ً     فيحدنَ عني ، أم أميل يمينا ؟
ونفرنَ من حولي وبين حبائلي     كالسِّرب صادفَ في الرَّواح كَمِينا
فجمعتهن إلى الحديث بدأته     فغصبن ، ثم أعدته فرضينا
وسمعت من أهوى تقول لتربها :     أَحْرَى بأَحمدَ أَن يكون رزينا
قالت: أَراه عندَ غاية ِ وَجْدِه     فلعلَّ ليلى ترحمُ المجنونا

احمد شوقي - أذعنَ للحسن عصيُّ العنانْ

أذعنَ للحسن عصيُّ العنانْ     وحاولتْ عيناك أمراً فكان
يعيش جفناك لبَثِّ المُنى     أو الأسى في قلب راجٍ وعان
يا مسرفاً في التيه ما ينتهي     أخاف أن يفنى علينا الزمان
ويا كثيرَ الدَّلّ في عزه     لا تنس لي عزِّي قُبَيْلَ الهَوان
ويا شديد العجبِ ، مهلاً ، فما     مِنْ مُنكرٍ أَنك زينُ الحِسان

احمد شوقي - يا حسنه بين الحسانْ

يا حسنه بين الحسانْ     في شكله إن قيل: بانْ
كالبدرِ تأْخذه العيو     نُ وما لهنّ به يَدان
مَلك الجوانحَ والفؤا     د ففي يديه الخافقان
ومنايَ منه نظرة ٌ     فعسى يُشير الحاجبان
فعَسى يُزَكِّي حُسْنَه     من لا له في الحسن ثان
فدعوه يعدلُ أو يجو     رُ، فإنه مَلكَ العِنان
حَقَّ الدلالُ لمن له     في كل جارحة مكان

احمد شوقي - يا ناعماً رقدت جُفونُه

يا ناعماً رقدت جُفونُه     مضناك لا تهدا شجونه
حملَ الهوى لك كلَّه     إن لم تعنه فمنْ يعينه؟
عُدْ مُنعِماً، أَو لا تَعُدْ     أَوْدَعْتَ سرَّكَ مَن يصُونُه
بيني وبيكَ في الهوى     سببٌ سيجمعنا متينه
رشأ يعابُ الساحرو     ن وسحرهم ، إلا جفونه
الروحُ مِلْكُ يمينه     يَفديه ما مَلَكَتْ يَمِينه
ما البانُ إلاَّ قدُّه     لو تيمتْ قلباً غصونه
ويزين كلَّ يتيمة     فمُه، وتحسبُهَا تَزينُه
ما العمرُ إلا ليلة ٌ     كان الصباح لها جبينه
بات الغرامُ بديننا     فيها كما بتنا ندينه
بين الرقيب وبيننا     وادٍ تباعدُه حزونُه
تغتابه ونقول : لا     بَقِي الرقيبُ ولا عيونُه

احمد شوقي - صحا القلبُ، إلاَّ من خُمارِ أَماني

صحا القلبُ، إلاَّ من خُمارِ أَماني     يجاذبُني في الغِيدِ رَثَّ عِناني
حنانيك قلبي، هل أعيدُ لك الصِّبا؟     وهل للفتى بالمستحيل يَدان؟
نحنُّ إلى ذاك الزمانِ وطيبه     وهل أَنتَ إلا من دم وحَنان؟
إذا لم تصن عهداً ، ولم ترعَ ذمة ً     ولم تدكر إلفا ؛ فلست جناني
أَتذكر إذ نُعْطِي الصَّبابة َ حقَّها     ونشرب من صرف الهوى بدنان؟
وأَنتَ خَفوقٌ، والحبيبُ مباعدٌ     وأَنت خفوقٌ، والحبيبُ مدان؟
وأَيامَ لا آلو رِهاناً مع الهَوى     وأَنت فؤادي عند كل رِهان
لقد كنت أشكو بعد ما عللك الصِّبا     فكيف ترى الكاسين تختلفان ؟
ومازلتُ في رَيْعِ الشباب، وإنما     يشيبُ الفتى في مصرَ قبلَ أوان
ولا أكذبُ الباري ، بنى اللهُ هيكلي     صنيعة إحسانٍ، ورِقَّ حِسان
أدين إذا افتاد الجمالُ أزمتي     وأَعنو إذا اقتادَ الجميلُ عِناني

احمد شوقي - الله في الخلق من صَبٍّ ومن عاني

الله في الخلق من صَبٍّ ومن عاني     تفنى القلوبُ ويبقى قلبكِ الجاني
صوني جمالكِ عنا إننا بشرٌ     من التراب ، وهذا الحسنُ روحاني
أو فابتغي فلكاً تأوينه ملكاً     لم يتخذ شركاً في العالم الفاني
يَنساب في النور مَشغوفاً بصورته     منعماً في بديعات الحلى هاني
إذا تبسم أبدى الكون زينته     وإن تنفس أهدى طيبَ ريحان
وأشرقي من سماءِ العزِّ مشرقة ً     بمنظرٍ ضاحكِ اللألاءِ فتان
عسى تَكُفُّ دموعٌ فيكِ هامِيَة ٌ     لا تطلعُ الشمسُ والأنداءُ في آن
يا من هجرت إلى الأوطان رؤيتها     فرُحْتُ أَشوقَ مُشتاقٍ لأَوطان
أَتذكرين حنيني في الزمان لها     وسَكْبِيَ الدّمعَ من تذْكارها قاني؟
وغبطي الطير ألقاه أصيح به :     ليت الكريم الذي أعطاك أعطاني ؟

احمد شوقي - قلبٌ بوادي الحمى خلفته رمقاً

قلبٌ بوادي الحمى خلفته رمقاً     ماذا صنعْتِ به يا ظبية َ البان؟
أحنى عليكِ من الكثبان ، فاتخذي     عليه مرعاكِ من قاعٍ وكثبان
غَرَّبْتِه، فَوَهَى جَنْبي لفُرقته     وحَنَّ للنازح الماسورِ جثماني
لا ردّه الله من أَسْرٍ، ومن خَبَلٍ     إذا كان في رده صحوي وسلواني
دلَّهتِه بعزيزٍ في مَحاجِره     ماضٍ ، له من مبين السحر جفنان
رمى فجعتْ على قلبي جوانحه     وفلن : سهمٌ ، فقال القلب : سهمان
يا صورة َ الحُورِ في جِلباب فانِيَة ٍ     وكوكب الصبحِ في أعطاف نسان
مُري عَصِيَّ الكرى يَغشَى مُجامَلَة ً     وسامِحي في عناق الطيفِ أَجفاني
فحسبُ خديْ من عينيَّ ما شربا     فمثل ما قد جرى لم تلق عينان

احمد شوقي - قالوا له: رُوحي فِداه

قالوا له: رُوحي فِداه     هذا التجنِّي ما مَداه؟
أَنا لم أَقُم بصدودِه     حتى يحملني نواه
تجري الأمور لغاية ٍ     إلا عذابي في هواه
سمَّيتُه بدرَ الدُّجى     ومن العجائِب لا أَراه
ودعوتُه غصنَ الرّيا     ضِ فلم أَجِدْ رَوْضاً حواه
وأَقولُ عنه: أَخو الغزا     لِ، ولا أَرى إلاَّ أَخاه
قال العواذلُ: قد جفا     ما بالُ قلبك ما جفاه ؟
أنا لو أطلعت القلبَ فيـ     ـه لم أزدْه على جواه
والنُّصحُ مُتَّهَمٌ وإن     نثرتهُ كالدرّ الشفاه
أُذُنُ الفتى في قلبه     حيناً ، وحيناً في نهاه

احمد شوقي - مقادير من جفينكِ حولنَ حاليا

مقادير من جفينكِ حولنَ حاليا     قذفت الهوى من بعد ما كنت خاليا
نفذْن عليَّ اللبَّ بالسهم مُرْسَلاً     وبالسِّحر مَقْضِيّاً، وبالسيف قاضيا
وأَلبَسْنَني ثوبَ الضَّنى فلبستُه     فأحبب به ثوباً وإن ضمّ باليا
وما الحبُّ إلا طاعة ٌ وتجاوزٌ     وإن أكثروا أوصافه والمعانيا
وما هو إلا العين بالعين تلتقي     وإن نوّعوا أَسبابَه والدَّواعيا
وعندي الهوى ، موصوفُه لا صفاتُه     إذا سألوني : ما الهوى ؟ قلت : ما بيا
وبي رَشأٌ قد كان دنيايَ حاضِراً     فغادرني أشتاقُ دنياي نائيا
سمحتُ برُوحي في هواه رخيصة ً     ومن يهو لا يؤثر على الحبِّ غاليا
ولم تَجْرِ أَلفاظُ الوشاة بريبة ٍ     كهذي التي يجري بها الدّمعُ واشِيا
أَقول لمن وَدَّعْتُ والركبُ سائرٌ:     برغم فؤادي سائرٌ واشيا
    برغم فؤادي سائرٌ بفواديا
أَماناً لقلبي من جفونِكِ في الهوى     كفى بالهوى كأْساً، وراحاً، وساقيا
ولا تجْعلِيه بين خدَّيْكِ والنوى     من الظلم أن يغدو لنارين ثاليا
ولم يَنْدملْ من طعنة القَدِّ جُرحُه     فرفقاً به من طعنة البيْن داميا

احمد شوقي - أَهلَ القُدودِ التي صالت عَوَاليها

أَهلَ القُدودِ التي صالت عَوَاليها     الله في مهجٍ طاحت غواليها
خُذْن الأَمانَ لها لو كان ينفعها     وارْدُدْنها كرَماً لو كان يُجديها
وانظرن ما فعلتْ أحداقكن بها     ما كان من عبثِ الأحدقِ بكيفها
تعرَّضت أَعينٌ مِنَّا، فعارَضَنا     على الجزيرة سرْبٌ من غَوَانيها
ما ثُرْن من كُنسٍ إلاَّ إلى كُنُسٍ     من الجوانح ضَمَّتْها حَوَانيها
عَنَّتْ لنا أُصُلاً، تُغْرِي بنا أَسَلاً     مهزوزة شكلاً ، مشروعة ً تيها
وارهفت أعيناً ضعفى حمائلها     نَشْوَى مَناصِلُها، كَحْلَى مَواضِيها
لنا الحبائلُ نُلْقِيها نَصِيدُ بها     ولم نَخَلْ ظَبَيَاتِ القاعِ تلْقيها
نصبنها لك من هدبٍ ومن حدقٍ     حتى انثنيت بنفسٍ عزَّ فاديها
من كلّ زهراءَ في إشراقها ضَحكَت     لَبّاتُها عن شبيه الدُّرِّ مِن فيها
شمي المحاسنِ يستبقى النهارُ بها     كأَن يُوشَعَ مفتونٌ يُجاريها
مَشت على الجسر رِيماً في تلفُّتها     للناظرين، وباناً في تَثَنِّيها
كان كلَّ غوانيه ضرائرها     عجباً ، وكل نواحيه مرائيها
عارضتها وضميري من محارمها     يَزْوَرُّ عن لحظاتي في مَساريها
أعفُّ من حليها عما يجاوره     ومن خلائلها عما يدانيها
قالت : لعل أديب النيلِ يحرجنا     فقلت: هل يُحرجُ الأَقمارَ رائيها
بيني وبينك أشعار هتفتُ بها     ما كنت أعلم أن الرِّيم يرويها
والقولُ إن عفّ أو ساءت مواقعه     صدى السريرة ِ والآدابِ يَحكِيها

احمد شوقي - أُداري العيونَ الفاتراتِ السَّواجيا

أُداري العيونَ الفاتراتِ السَّواجيا     وأَشكو إليها كَيْدَ إنسانِها لِيا
قتلنَ ومنين القتيلَ بألسُن     من السحر يبدلنَ المنايا أمانيا
صرحٌ على الوادي المباركِ ضاحي     متظاهرُ الأعلامِ والأوضاحِ
السحرُ من سُود العيونِ لقيُتهُ     والبابليُّ بلحظهنّ سُقِتُهُ
وكلَّمْنَ بالأَلحاظِ مَرْضَى كَليلة ً     فكانت صحاحاً في القلوب مواضيا
ضافي الجلالة كالعَتيق مُفَضّل     ساحات فضل في رِحابِ سَماحِ
    عدا فاستبدّ بعقل الصبيّ
وكأن رفرفه رواقٌ من ضحى ً     وكأن حائطه عمودُ صباحِ

الناعساتِ الموقظاتي للهوى
حببتك ذاتَ الخالِ ، والحبُّ حالة ٌ     إذا عرضت للمرءِ لم يدر ما هيا
الحقُّ خَلفَ جناحٍ استذرى به     ومَرَاشِدُ السلطانِ خلفَ جَناح
وإنك دنيا القلب مهما غدرته     أَتى لكِ مملوءاً من الوجْد وافيا

القاتلاتِ بعابثٍ في جفنه
صدودك فيه ليس يألوه جارحاً     ولفظُكِ لا ينفَكُّ للجرح آسِيا
ياسلاح العصر بُشِّرنا به     كلُّ عصر بِكَمِيٍّ وسلاح
ة َ؟ لقد لعبوا وهْيَ لم تَلْعَب     تجرِّبُ فيهم وما يعلمو
هو هيكلُ الحريّة ِ القاني، له     ما للهياكلِ من فِدًى وأَضاح
وكأَن أَحلامَ الكعاب بيوتُه     تحتَ النبالِ وصَوْبِها السَّحّاح
وبين الهوى والعذلِ للقلب موقفٌ     كخالك بينَ السيفِ وانار ثاويا
وأغنَّ أكحلَ من مَها بكفيّة     علقت محاجرُه دمي وعلقته
وبين المنى واليأس للصبر هزة ٌ     كخصركِ بين النهدِ والردفِ واهيا
يَنهارُ الاستبدادُ حولَ عراصِه     مثلَ انهيارِ الشِّركِ حولَ صَلاح
هو غرَّة ُ الأَيامِ فيه، وكلكم     مُتَحَطِّمَ الأَصنامِ والأَشباح
وعرّض بي قومي، يقولونَ: قد غوى     عدِمتُ عذولي فيكِ إن كنتُ غاويا
يَرومونَ سُلواناً لقلبي يُريحُهُ     ومن لِيَ بالسُّلْوانِ أَشريه غاليا؟
هو ما بَنَى الأعزال بالرَّاحات ، أو     هو ما بنى الشهداءُ بالأرواحُ
السلسبيلُ من الجداول وردُه     والآسُ من خضْرِ الخمائل قوتُه
أخذته مصر بكل يومٍ قاتمٍ     وَرْدِ الكواكب أَحمرِ الإصباح
وما العشق إلا لذة ٌ ثم شقوة ٌ     كما شقيَ المحمور بالسكر صاحيا
هبَّتْ سِماحاً بالحياة شبابها     والشيبُ بالأَرْمَاق غَيْرُ شحاح
ومشتْ إلى الخيل الدوَارع وانبرت     للظَّافر الشاكي بغير سلاحِ
فازور غضباناً وأعرض نافراً     حالٌ من الغيدِ الملاحِ عرفتُه
وَقَفاتُ حقٍّ لم تقفْها أُمّة ٌ     إلا انْثنتْ آمالُها بنجاح
هَزَّ الربيعِ مَنَاكِبَ الأَدواح     جعلوا المآتمَ حائطَ الأَفراحِ
    وأَبهى من الورد تحت الندى

بشرى إلى الوادي تهزُّ نَباته
تسري ملمَّحة الحجول على الرُّبى     وتسيل غُرَّتُها بكل بِطاح
قالت ترى نجمَ البيان بل     وتعرضُهم مَوكِباً موكِباً
التامتِ الأحزابُ بعدَ تَصَدُّع     لَبَّى أَذانَ الصُّلحِ أَوّلَ قائمٍ
حفظاً ولا طلبُ الجديد يفوته     وَمَشَى على الضّغْن الودادُ الماحي
وَجَرَتْ أحاديثُ العتابِ كأنها     سَمَرٌ على الأوتارِ والأقداح
إِنَّ هذا الفَتحَ لا عهدَ به     لضِفاف النيلِ من عهد فتاح
جميلٌ عليهم قشيبُ الثيا     سِ تَلَقَّى الحياة َ فلم يُنجِب
ترمي بِطرفِك في الجامِع لا ترى     غيرَ التعانُقِ واشتباكِ الراح

شمسَ النهارِ ، تعلَّمي الميزانَ من
ميلي انظُريه في النَّدِيِّ كأنّه     عثمانُ عن أُمِّ الكتابِ يُلاحي
كم تاجِ تضحية ٍ وتاج كرامة ٍ     للعين حولَ جبينه اللماح
    حقائبُ فيها الغدُ المُختَبي
والشيب منبثقٌ كنور الحقِّ من     فوديه ، أو فجرِ الهدى المِنصاحِ
    والصلحُ خُمس قواعِد لإصلاح
مَلكُ الهضابِ الشمِّ سلطانُ الرُّبى     هامُ السحاب عروشه وتُخوته
سبقَ الرجَالَ مُصافِحاً ومُعانِقاً     يمنى السّماح وهيكَلَ الإسجاح
عدلى الجليل ابن الجليل من الملا     والماجد ابن الماجد المِسماح
والأبلقُ الفردُ انتهت أوصافُه     في السُّؤدد العالي له ونُعوته
حلوُ السجيَّة في قناة ٍ مُرَّة ٍ     فمشى إليّ وليس أَوّل جؤذَرٍ
إذا رفَّ في فرعه الأَهْدب     أَهابت هِراوتُه بالرِّفا

نِ وما علِموا خَطَرَ المَرْكَب
شَتَّى فضائلَ في الرجال، كأَنها     شَتَّى سلاحٍ من قناً وصِفاح
فإذا هيَ اجتمعت لِمُلك جَبْهَة ً     كانت حصونَ مَناعة ٍ ونِطاح
الله أَلَّف للبلاد صدورَها     من كل داهية ٍ وكل صُراح
وكأن أيامَ الشباب ربوعُه     وكأن احلامَ الكعاب بيوتُه
وتكاد الطيرُ من خفَّته     تتعالى فيه من غير جَناح
وزراءُ مملكة ٍ، دَعائِمُ دولَة ٍ     أعلامُ مُؤتَمَرٍ ، أسودُ صَباحِ
يَبنون بالدستورِ حائطَ مُلْكِهم     لا بالصِّفاحِ ولا على الأَرْماحِ
وجَوَاهرُ التيجانِ ما لم تُتَّخَذْ     من مَعدِنِ الدستورِ غيرُ صِحاح
احتل حِصْنَ الحقّ غيرُ جنودِهِ     وتكالبت أَيْدٍ على المفتاحِ
هناك، وفي جُنْدِها الأَغلب     لبنانُ في ناديكمو عظمتُه
قد زاني إقبالكم وقبولُكم     شرفاً على الشرف الذي أوليته
القاتلاتِ بعابثٍ في جَفنه     واسْتوْحَشَتْ لِكُماتِها النُّزّاحِ
هُجرَت أرائكُهُ ، وعُطِّلَ عودُه     وخلا من الغادين والرُّوّاحِ
تاجُ النيابة في رفيع رءُوسكم     تؤلِّفهُم في ظِلال الرخا
لُبنانُ دارَتُه وفيه كِناسُه     كالغارِ من شرفٍ وسمتِ صلاح
قلْ للبنين مقالَ صدقٍ، واقْتَصِدْ     ذَرْعُ الشباب يضيق بالنَّصّاحِ

حنن أفلحنا على الأرض بكم
أنتم بنو اليوم العصيب، نشأتمو     في قَصْفِ أَنواءٍ، وعَصْف رياحِ
وشهدتمُ صَدْعَ الصفوفِ وما جَنَى     من أَمْر مُفْتاتٍ ونَهْي وَقاحِ
صوتُ الشعوب من الزئير مُجمَّعاً     فإذا تفَرَّقَ كان بعضَ نُباحِ
أَظْمَتْكُمُ الأَيامُ، ثم سقتكمُ     رنقاً من الإحسانِ غيرَ قراحِ
وإذا مُنِحْتَ الخيرَ من مُتَكَلِّفٍ     ظَهَرَتْ عليه سجيَّة ُ المناحِ
تركتمو مثلَ المَهيضِ جناحُه     لا في الحبال ، ولا طليق سَراحِ
مَنْ صَيَّرَ الأَغلالَ زَهْرَ قَلائدٍ     وكسا القيودَ محاسنَ الأَوضاح؟
إن التي تبغون، دون منالِها     طولُ اجتهادٍ ، واضطرادُ كِفاحِ
سروا إليها بالأناة طويلة     إن الأَناة َ سبيلُ كلِّ فلاح
وخذوا بناءَ المُلكِ عن دستوركم     إن الشِّراعَ مُثَقِّفُ الملاَّح
يا دارَ محمودٍ، سَلِمتِ، وبورِكت     أَركانُكِ الهرميَّة ُ الصُّفَّاح
وازددت من حسنِ الثناءِ وطيبه     حجراً هو الدُّرِّيُّ في الأَمداح
الأُمة ُ انتقلتْ إليك ، كأنمَا     أنزلتِها من بيتها بنجاح
بركاتُ شيخٍ بالصعيد مُحمَّل     عِبْءَ السنينَ مُؤمَّلٍ نفّاح
بالأمس جادَ على القضية ِ بابنه     واليومَ آواها بأَكْرَم ساح

احمد شوقي - نَحْلَة ً عَنَّتْ وطَنَّتْ في الرياح

نَحْلَة ً عَنَّتْ وطَنَّتْ في الرياح
واملأ رماحاً غورَها ونَجْدَها     وافتح أُصول النيل واستردَّها
    غمرة ً أودت بخوَّاض الغُمر؟
أين نابليون؟ ما غاراته؟     سلطانَها، وعزَّها، ورَغْدَها
    نم طويلاً ، قد تَوَسَّدْتَ الزَّهَر
راكبَ البحرِ ، مواجٌ ما ترى ؟     أم كتاب الدهرِ أم صُحفُ القدر؟
    قَلَمِ القُدرة ِ فيها ما سطِر
ههُنا تمشي الجواري مَرَحاً     واصرفْ إلينا جَزْرَها ومَدَّها
انظر الفلكَ : أمنها أثرٌ ؟     هكذا الدنيا إذا الموتُ حَضَر
فأَرسلتْ دُهاتَها ولُدَّها     ضاق عنك السعدُ ، أو ضاق العُمُر
لا تقولوا شاعر الوادي غَوَى     مَنْ يًغالطْ نفسهَ لا يعتبر
    بَيِّنٌ فيها سبيلُ المعتْذِر
كجياد السَّبْقِ ، لن تُغنيها     أدواتُ السبقِ ما تغنى الفِطَر
ضربتها وهْي سرٌ في الدُّجى     ليس دونَ اللهِ تحت الليلِ سرّ

احمد شوقي - يجري بأمرٍ ، أو يدور بضدِّه

يجري بأمرٍ ، أو يدور بضدِّه     لا النقضُ يُعجزه، ولا الإمرار
    تسحَبُ الفولاذ في مُلْتَطِمٍ
سُدِلَ الستارُ ، وهل شَهِدْتَ رواية ً     لم يعترضها في الفصول ستار؟
    وعدَتْ فما حَوَتْ المدى الأَوطار
هو ينبوعُ البيانِ المنفَجِر     سُورٌ، ومن عِلْم الزمان إطار
وحضارة ٌ من منطق الوادي لها     أصلٌ ، ومن أدب البلاد نِجار
أعمى هوى الوطن العزيز عصابة     وأَتى الأَهرامَ من أُمِّ الحُجَر
يا سوءَ سُنَّتِهم وقُبحَ غُلُوِّهم     لا تقولوا: شاعرُ الوادي غَوَى
    انظر الفُلْكَ أَمِنْهَا أَثرٌ؟
غابة ٌ تجري بسلطان الشَّرَى     أَين وادي الطَّلْحِ واللاَّئي به
لَقِيَ الرجالُ الحادثاتِ بصبرهم     حتى انجلَتْ غُمَمٌ لها وغِمار
الحقُّ أبلجُ ، والكنانة ُ حُرَّة ٌ     والعزُّ للدستور والإكبارُ
بنيانُ آباءٍ مشوا بسلاحهم     وبَنينَ لم يجدوا السلاحَ فثارو
لُجَجُ الدَّأْماءِ أَوطانٌ لكم     ومن المشانق والسجون جدار

يجرون بالرفق الأُمورَ وفُلْكها

الأُمة ُ انتلَفَتْ، ورَصَّ بناءها
    عنها ، ولا تتناعس الأظفار
آية ً جانِبُه المُرْخَى السُّتُر     رَضَع الأَخلاقَ من أَلبانها
    نَشَأَ النيلِ، إليكم سِيرة
    ومن القُدْوَة ِ ما تُوحِي الصُّوَر

احمد شوقي - قل لرجالِِ: طغى الأسير

قل للرجالِِ: طغى الأسير     طيرُ الحِجالِ متى يَطيرْ؟
أوهى جناحيه الحديـ     ـدُ، وحَزَّ ساقَيْهِ الحرير
ذهب الحجاب بصبره     وأَطال حيْرتَه السُّفور
هل هُيِّئَتْ دَرَجُ السما     ء له، وهل نُصَّ الأثير؟
وهل استمرَّ به الجَنا     حُ، وَهَمَّ بالنَّهْض الشكير؟
وسما لمنزله من الد     نيا، ومنزلُه خطير؟
ومتى تُساس به الريا     ضُ كما تُساس به الوكور؟
أوَكُلُّ ما عند الرجا     لِ له الخواطبُ والمهمور؟
والسجنُ في الأَكواخ، أَو     سجنٌ يقال له: القصور؟
تالله لو أَن الأَد     يمَ جميعَه روضٌ ونور
في كلّ ظلٍّ ربوة ٌ     وبكلّ وارفة ٍ غدير
وعليه من ذَهبٍ سيا     جٌ ، أو من الياقوت سور
ما تَمَّ من دون السما     ءِ له على الأرض الحُبور
انّ السماءَ جديرة ٌ     بالطير ، وهو بها جدير
هي سرجُهُ المشدودُ ، وهـ     ووضعْتَه، وعلمْتَ أَن
يتعايا بجناحٍ وَيَنوءْ     بجناح مُذْ وَهَى ما صلحا
حُرِّيَّة ٌ خُلِق الإنا     ث لها ، كلما خلق الذكور
هاجَتْ بناتِ الشعرِ عيـ     ـنٌ من بنات النيل حُور
لي بينهن ولائدٌ     هم من سواد العين نور
لا الشعرْ يأْتي في الجما     ن بمثلهن ، ولا الجور
من أَجلهن أَنا الشفيـ     ـقُ على الدُّمَى ، وأَنا الغيور
أَرجو وآمل أَن ستجـ     ـري بالذي شِئنَ الأُمور
يا قاسم، انظر: كيف سا     ر الفكرُ وانتقل الشعور؟

من كلِّ ناحية لها أَوكار
جابت قضيَّتُكَ البلا     دَ، كأَنها مَثَلٌ يسير

رحمة ُ اللهِ له! هل عَلمِا
ما الناسُ إلا أوَّلٌ     يمضي فيخلُفه الأَخير
الفكرُ بينهما على     بُعْدِ المَزارِ هو السفير
هذا البناءُ الفخمُ ليـ     ـس أساسهُ إلا الحَفير

حتى كأَنك للعناية جار
إن التي خلَّفْتَ أَمـ     ـسِ، وما سِواكَ لها نصير
نهض الخفيُّ بشْنها     وسعى لخدمتها الظهير
في ذمة الفُضْلَى هدى     جِيلٌ إلى هاد فقير
ناحَ إذ جَفناشَ في أَسرِ النجومْ     قَدَرٌ على يُمْنَى يَدَيْهِ سلامة ٌ
أقبلنَ يسأَلْنَ الحضا     رة َ ما يُفيد وما يَضير
ما السُّبْلُ بَيِّنَة ٌ، ولا     كلُّ الهُداة ِ بها بصير
ما في كتابِكَ طَفْرَة ٌ     تُنْعى عليكَ، ولا غرور
هَذَّبْتَه حتى استقامت     من خلائقك السطور
    حسابَ واضعِه عسير
لك في مسائله الكلا     مُ العفُ والجدلُ الوَقور
ولك البيانُ الجذلُ في     أَثنائه العلمُ الغزير
في مطلبٍ خَشنٍ، كثـ     ـيرٌ في مَزالقه العُثور
ما بالكتاب ولا الحديـ     ـث إذا ذكرْتَهُما نكير
حتى لَنسأَلُ: هل تَغارُ     رُ على العقائد ، أم تُغير؟
عشرون عاماً من زوا     لك ما هي الشيءُ الكثير
رُعْنَ النساءَ، وقد يَرُو     عُ المُشْفِقَ الجلَلُ اليسير
فَنَسِينَ أَنك كالبدو     ر، ودونَ رِفعتِكَ البُدور
تفنى السِّنون بها، وما     آجالها إلا شهور
لقد اختلفنا، والمُعا     شِرُ قد يخالفه العَشير
في الرأي، ثُمَّ أَهاب بي     وبك المُنادِمُ والسَّمير
ومحا الرَّ,َاخُ الى مغا     ني الودِّ ما اقترف البُكور
ثم خان التاجُ وُد المفْرِِ     ونبَتْ بالأَنْجُمِ الزُّهْرِ الديارْ
في الرأْي تَضْطَغِنُ العقو     لُ وليس تضطغن الصدور
قل لي بعيشِك: أَين أَنـ     ـت؟ وأَين صاحبُك الكبير؟
أين الإمام ؟ وأين إسـ     ـماعيلُ والملأُ المنير؟
لما نزلتم في الثرى     تاهت على الشهب القبور
عصر العباقرة ِ النجو     مِ بنوره تمشي العصور
خضبَ الجند به الأرضَ دما     وقلوبُ الجندِ كالصخرِ القسي
نزل الناجي على حكم النوى     وتوارى بالسرى من طالبيه
    بانٍ، ولم يُدركهُمُ حَفَّار
للبأْس فيه، ولا الأَسِنَّة ُ دار     من أخي صيدٍ رفيقٍ مرس ؟
ناقلاتٍ في العبير القدما     واطئاتٍ في حبير السُّنْدُسِ
وسيلقى حينهُ نسرُ السما     يوم تطوى كالكتاب الدرس

أَم فتية ٌ ركبوا الجناح فطاروا؟

احمد مطر - حديث الحمام

حدّث الصياد أسراب الحمام
قال: عندي قفصٌ أسلاكه ريش نعام
سقفه من ذهب
و الأرض شمعٌ و رخام.
فيه أرجوحة ضوء مذهلة و زهورٌ بالندى مغتسلة.
فيه ماءٌ و طعامٌ و منام
فادخلي فيه و عيشي في سلام .
قالت الأسراب : لكن به حرية معتقلة.
أيها الصياد شكراً…
تصبح الجنة ناراً حين تغدو مقفلة !
ثم طارت حرةً ،
لكن أسراب الأنام حينما حدثها بالسوء صياد النظام
دخلت في قفص الإذعان حتى الموت…
من أجل وسام !

احمد مطر - تشخيص

من هناك ؟
لا تخف.. إني ملاك.
- اقترب حتى أرى… لا، لن تراني
بل أنا وحدي أراك.
- أيّ فخرٍ لك يا هذا بذاك ؟!
لست محتاجاً لأن تغدو ملاكاً
كي ترى من لا يراك.
عندنا مثلك آلاف سواك !
إن تكن منهم فقد نلت مناك
أنا معتادٌ على خفق خطاك.
و أنا أسرع من يسقط سهواً في الشباك
و إذا كنت ملاكاً
فبحق الله قل لي
أيّ شيطان إلى أرض الشياطين هداك ؟!

احمد مطر - لن تموت

لن تموت لا… لن تموت أمتي
مهما إ كتوت بالنار و الحديد.
لا… لن تموت أمتي
مهما إ د عى المخدوع والبليد .
لا… لن تموت أمتي
كيف تموت ؟
من رأى من قبل هذا ميتاً
يموت من جديد ؟

احمد مطر - درس في الإملاء

كتب الطالب : ( حاكِمَنا مُكـْتأباً يُمسي
و حزيناً لضياع القدس ) .
صاح الأستاذ به: كلاّ … إنك لم تستوعب درسي .
إ رفع حاكمنا يا ولدي
و ضع الهمزة فوق ) الكرسي ( .
هتف الطالب : هل تقصدني … أم تقصد عنترة ا لعــبسـي ؟!
أستوعبُ ماذا ؟! و لماذا ؟!
د ع غيري يستوعب هذا
واتركني أستوعب نفسي .
هل درسك أغلى من رأسي ؟!

احمد مطر - وسائل النجاة

و قاذفات الغرب فوقي
و حصار الغرب حولي
و كلاب الغرب دوني .
ساعدوني ما لذي يمكن أن أفعل
كيلا يقتلوني ؟!- أنبذ الإرهاب…
ملعونٌ أبو الإرهاب..
( أخشى يا أخي أن يسمعوني! )
أي إرهاب ؟!
فما عندي سلاح غير أسناني
و منها جردوني !
- لم تزل تؤمن بالإسلام
كلا … فالنصارى نصّروني .
ثم لما اكتشفوا سر ختاني … هودوني !
و اليهود إ ختبر وني ثم لما اكتشفوا طيبة قلبي
جعلوا ديني ديوني .
أيّ إسلام ؟
أنا "نَصَرا يهُوني "
- لا يزال اسمك " طه "… لا… لقد أصبحت " جـو ني " !
- لم تزل عيناك سوداوين …
لا … بالعدسات الزرق أبدلت عيوني …
- ربما سحنتك السمراء كلا… صبغوني
- لنقل لحيتك الكثّة … كلا …
حلقوا لي الرأس و اللحية و الشارب،
لا… بل نتفوا لي حاجب العين و أهداب الجفون !
- عربيٌ أنت.
No, don't be Silly, they
ترجموني !
- لم يزل فيك دم الأجداد !!
ما ذنبي أنا ؟ هل بإ ختيا ري خلّفوني ؟
- دمهم فيك هو المطلوب ، لا أنت…
فما شأنك في هذي الشؤون ؟
قف بعيداً عـنهـما…
كيف، إذن، أضمن ألاّ يذبحوني ؟!
- إ نتحر أو مُتْ
أو استسلم لأنياب المنون !

احمد مطر - فتوى أبي العينين

يا أبا العينين…ما فتواك في هذا الغلام ؟
- هل دعا -في قلبه-يوماً إلى قلب النظام ؟
لا…
- و هل جاهر بالتفكير أثناء الصيام ؟
لا…
- و هل شوهد يوماً يمشي للأ مام ؟
لا…
- إذن صلّى صلاة الشافعية.
لا…
- إذن أنكر أنّ الأرض ليست كرويّة.
لا…
- ألا يبدو مصاباً بالزكام ؟
لا…
- لنفرض أنه نام
و في النوم رأى حلماً
و في الحلم أراد ا لإ بتسام.
لم ينم منذ اعتقلناه…
- إذن… متهمٌ دون إ تـها م !
بدعةٌ واضحةٌ مثل الظلام.
اقطعوا لي رأسه
لكنه قام يصلي…
- هل سنلغي ا لشرع
من أجل صلاة ابن الحرام ؟!
كل شيء و له شيء
تمام.
صدرت فتوى الإمام:
( يقطع الرأس
و تبقى جثة الوغد تصلي
آه… يا للي.
و السلام ) !

احمد مطر - حبسة حرة

إ ختفى صوتي
فراجعت طبيبي في الخفاء.
قال لي: ما فيك داء.
حبسه في الصوت لا أكثر…
أدعوك لأن تدعو عليها بالبقاء !
قَدَرٌ حكمته أنجتك من حكم ( القضاء (
حبسه الصوت
ستعفيك من الحبس
و تعفيك من الموت
و تعفيك من الإرهاق
ما بين هروبٍ و اختباء.
و على أسوأ فرض
سوف لن تهتف بعد اليوم صبحاً و مساء
بحياة اللقطاء.
باختصار…
أنت يا هذا مصابٌ بالشفاء !

احمد مطر - أربعة أو خمسة

أربعة أو خمسة
يأتون في دبابة
فيملكون وحدهم
حرية الكتابة
والحق في الرقابة
والمنع والإجابة
والأمن والمهابة
والمال والآمال
والتصويب والإصابة
وكل من دب
ولم يلق لهم أسلابه
تسحقه الدبابة

احمد مطر - منفيون

لمن نشكو مآسينا ؟
ومن يصغي لشكوانا ، ويجدينا ؟
أنشكو موتنا ذلا لوالينا ؟
وهل موت ســيحـيـيـنا ؟
قطيع نحن والجزار راعينا ،
ومنفيون نمشي في أراضينا ،
ونحمل نعشنا قسرا بأيدينا ،
ونعرب عن تعازينا لنا فينا ،
فوالينا ، أدام الله والينا ،
رآنا أمة وسطا ، فما أبقى لنا دنيا ،
ولا أبقى لنا دينا ،
ولاة الأمر : ما خنتم ، ولا هنتم ،
ولا أبديتم ا للينا ،
جزاكم ربنا خيرا ، كفيتم أرضنا بلوى أعادينا ،
وحققتم أمانينا ،
وهذي القدس تشكركم ،
ففي تنديدكم حينا ،
جدعتم أنف أمريكا
وفي تهديدكم حينا ،
سحبتم أنف أمريكا ،
فلم تنقل سفارتها ،
ولو نقلت ــ معاذ الله لو نقلت ــ لضيعنا فلسطينا ،
ولاة الأمر هذا النصر يكفيكم ، ويكفينا ،
تهانينا

احمد مطر - حصافة

حيـن رآنـي
مهمـوماً، مُنكسِـر الهمَّـةْ
قال حذائـي
هـل مازلتَ تؤمّـلُ حقّـاً
أن توقِـظَ ميتـاً بالنأْمــهْ ؟
أو أن تُشـعِلَ مـاءَ البَحـرِ
بضـوءِ النَّجْمـــةْ ؟
لا جَـدوى ...
خُـذْ منّي الحِكْمـَــةْ
فأنـا، مُنــذُ وجِـدتُ، حِـذاءٌ
ثُمّ دعاني البعضُ مَداسـاً
ثُمّ تقطّعْــتُ بلا رحمّـهْ ...
فإذا باسمـي :
جوتي، سباط، جزمـهْ
نَعْـلٌ، كندرة، مرْكـوبٌ
خـفٌّ، يمَنـيٌّ، حاط
بوتينٌ، بابـوجٌ، صُـرْمَـةْ .
وإلى آخـرِ هـذي الزّحمَـةْ
أيُّ حِـوارٍ ؟
أيُّ خُـوارٍ ؟
أيُّ حضيـضٍ ؟
أيّـةُ قِمّــةْ ؟
إنْ كنتُ أنا التّافِـهُ وحْـدي
أدخلتُ الأُمّــةَ في أزْمَــةْ
وعليَّ تفرّقـتِ الكِلْمَـةْ
فعلى أيّ قضـايا كُـبرى
يُمكِـنُ أن تتّفـقَ الأَمّــة ؟

احمد مطر - أعد قدمي ..!!

أَعِـدْ قَـدَمـي ..
لِكَـيْ أمشـي إلَيـكَ مُعَـزّياً فينـا
فَحالـي صارَ مِن حالِكْ .
أعِـدْ كَفّـي ..
لكـي أُلقـي أزا هـيـر ي
علـى أزهـارِ آمالِكْ .
أعِـدْ قَلبـي ..
لأقطِـفَ وَردَ جَـذوَتِهِ
وَأُوقِـدَ شَمعَـةً فـي صُبحِـكَ الحالِكْ !
أَعِـدْ شَـفَتي ..
لَعَـلَّ الهَـولَ يُسـعِفُني
بأن أُعطيكَ تصـويراً لأهـوالِكْ .
أَعِـدْ عَيْـني ..
لِكَـي ابكـي على أرواحِ أطفـالِكْ .
أتَعْجَـبُ أنّنـي أبكـي ؟!
نَعَـمْ .. أبكـي
لأنّـي لَم أكُـن يَـومـاً
غَليـظَ القلبِ فَـظّاً مِثـلَ أمثـالِكْ !
***
لَئِـن نَـزَلَتْ عَلَيْـكَ اليـومَ صاعِقَـةٌ
فَقـد عاشتْ جَميـعُ الأرضِ أعوامـاً
وَمـازالـتْ
وَقـد تَبقـى
على أ شفا رِ زِلزالِكْ !
وَكفُّـكَ أضْـرَمَتْ فـي قَلبِهـا نـاراً
وَلم تَشْـعُرْ بِهـا إلاّ
وَقَـد نَشِـبَتْ بأذيالِكْ !
وَلم تَفعَـلْ
سِـوى أن تَقلِبَ الدُّنيـا على عَقِـبٍ
وَتُعْقِـبَهـا بتعديـلٍ على رَدّا ت ا فعـالِكْ !
وَقَـد آ لَيْـتَ أن تَـرمـي
بِنَظـرةِ رَيْبِـكَ الدُّنيـا
ولم تَنظُـرْ، ولو عَرَضَـاً، إلى آلِـكْ !
أَتَعـرِفُ رَقْـمَ سِـروالٍ
على آلافِ أميـالٍ
وَتَجهَلُ أرْقَـماً في طـيِّ سِـروالِكْ ؟!
أرى عَيْنَيكَ في حَـوَلٍ ..
فَـذلِكَ لـو رمـى هـذا
تَرى هـذا وتَعْجَبُ لاسـتغاثَتـهِ
ولكنْ لا تـرى ما قـد جَنـى ذلِـكْ !
ا ر ى كَفَّيْـكَ في جَـدَلٍ ..
فواحِـدَةٌ تَـزُفُّ الشَّمـسَ غائِبَـةً
إلـى الأعمـى !
وواحِـدَةٌ تُغَطِّـي الشَّمـسَ طالِعةً بِغِـربالِكْ !
وَمـا في الأمـرِ أُحجِيَـةٌ
وَلكِنَّ العَجائِبَ كُلَّهـا مِن صُنْـعِ مِكيـالِكْ !
***
بِفَضْـلِكَ أسـفَرَ الإرهـابُ
نَسّـاجاً بِمِنـوالِكْ
و َمعـتاشا بأمـوالِكْ
وَمَحْمِيّـاً بأبطالِكْ .
فَهل عَجَـبٌ
إذا وافاكَ هـذا اليـومَ مُمْتَنّـاً
لِيُـرجِعَ بَعضَ أفضـالِكْ ؟!
وَكَفُّكَ أبدَعَتْ تِمثـال( مـيـد و ز ا(
وتَـدري جَيِّـداً أنَّ الّذي يَرنـو لَـهُ هـالِكْ
فكيفَ طَمِعتَ أن تَنجو
وَقَـد حَـدَّقتَ في أحـداقِ تِمثالِكْ ؟!
خَـرابُ الوضـعِ مُختَصَـرٌ
بِمَيْـلِ ذِراعِ مِكيـالِكْ .
فَعَـدِّلْ وَضْـعَ مِكيالِكْ .
ولا تُسـرِفْ
و إلاّ سَـوفَ تأتـي كُـلُّ بَلبَلَـةٍ
بِمـا لَم يأتِ فـي بالِكْ !
***
إذا دانَتْ لَكَ الآفـاقُ
أو ذَلَّـتْ لَكَ الأعنـاقُ
فاذكُـرْ أيُّهـا العِمـلاقُ
أنَّ الأرضَ لَيْسـتْ دِرْهَمـاً في جَيْبِ بِنطـا لِكْ .
وَلَو ذَلَّلتَ ظَهْـرَ الفِيلِ تَذليـلاً
فأن بعوضةً تكفي ... لإذلالك